للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بالضعف، لأن كثيراً من علل الضعف يوجد في الصالحين، وعن ابن مسعود أنه دخل المسجد وقد أقيمت صلاة الصبح فركع ركعتي الفجر إلى أسطوانة بمحضر حذيفة وأبي موسى، قال ابن بَطَّال: ورُوي مثلُه عن عمر بن الخطاب وأبي الدرداء وابن عباس، وعن ابن عمر أنه أتى المسجد لصلاة الصبح فوجد الإمام يصلي، فدخل بيت حفصة فصلى ركعتين ثم دخل في صلاة الإمام، وعند ابن أبي شيبة عن إبراهيم كان يقول: إن بقي من صلاتك شيء فأتممه، وعنه: إذا افتتحتَ الصلاة تطوعاً وأقيمت الصلاة فأتمّ.

الثاني: من الوجوه في حكمة إنكار النبي صلى الله عليه وسلم الصلاةَ عند إقامة الفرض، فقال عياض: لئلا يتطاول الزمانُ فيُظن وجوبُها، ويؤيده قوله عليه السلام فيما رواه مسلم من حديث إبراهيم بن سعد: ((يوشك أحدكم أن يصلي الصبح أربعاً))، وقد ذكرناه عن قريب، وعلى هذا إذا حصل الأمنُ لا يُكره ذلك، قال شيخنا: وهو متعقَّب بحديث الترجمة، قال العَيْنِي: قولُه تعالى {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد:٣٣] يخُص هذا، مع ما روي من هؤلاء الصحابة المذكورين آنفاً، وقال شيخنا أيضاً: وقيل لئلا تلتبس صلاةُ الفرض بالنفل، وإلى هذا جنح الطحاويُّ واحتج له، ومقتضاه أنه لو كان خارج المسجد أو في زاويةٍ منه لم يُكره، وهو متعقب أيضاً بما ذُكِر، قال العَيْنِي: دعواه التَعقُّب متعَقبةٌ لأن الأصل في النصوص التعليلُ، وهو وجهُ الحكمةِ، فالعلة في حديث الترجمة هي كونه جامعاً بين الفرض والنفل في مكان واحد، فإذا صلى خارج المسجد أو في زاوية منه لا يلزم ذلك، وهو كنهيه عليه السلام من صلى الجمعة أن يصلي بعدها تطوعاً في مكان واحد، كما نهى من صلى الجمعة أن يتكلم أو يتقدم.

قال شيخنا أيضاً: وذهب بعضهم إلى أن سبب الإنكار عدم الفصل بين الفرض والنفل لئلا تلتبسان، وإلى هذا جنح الطحاوي واحتج له بالأحاديث الواردة بالأمر بذلك، ومقتضاه أنه لو كان في زاوية المسجد لم يكره، وهو متعقب بما ذكرنا، إذ لو كان المراد مجرد الفصل بين الفرض والنفل لم يحصل إنكارٌ أصلاً، لأن ابن بُحَيْنة سلَّم من صلاته قطعاً ثم دخل في الفرض، قال العَيْنِي: ذَكَر شيئا لا يجدي لرده ما قاله الطحاوي، فلو نقل ما رواه الطحاوي أيضاً لكان علم أن رده ليس بشيء، وهو أنه رَوى بسنده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرَّ بابن بُحَيْنة وهو يصلي بين يدي نداء (١) الصبح فقال: ((لا تجعلوا هذه الصلاة كصلاة الظهر واجعلوا بينهما فصلاً))، فما بان بهذا أن الذي كرهه رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن بُحَيْنة وصْلُه إياها بالفريضة في مكان واحد دون أن يفصِل بينهما بشيء يسير، يُعلَم بذلك أنه ما اعتبر الفصل اليسير والسلامَ منه، وكان سببَ الكراهة الوصلُ بين الفرض والنفل في مكان واحد، والاعتبارُ بالفصل بالسلام، فمقتضى ذلك أنْ لا يُكره خارجَ المسجد ولا في زاويةٍ منه وهذا هو التحقيق


(١) في (الأصل) : ((بين نداء)) والصواب ((بين يدي نداء)).

<<  <   >  >>