للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

بقوله ههنا بلفظ الأمر، حيث قال: فليصل. قال العيني: هذه مسألة معروفة في الأصول، وفيها خلاف. فبعضهم قال: إن الأمر به بالشيء يكون أمراً به، ومنهم من منع ذلك، وقالوا: معناه: بلِّغوا فلاناً أني أمرته. قال شيخنا: وفصْلُ النزاع أنَّ النافي إن أراد أنه ليس آمراً حقيقةً فمُسَلَّمٌ لأنه ليس فيه صيغة أمرٍ للثاني، وإن أراد أنه لا يستلزم فمردود والله أعلم.

قوله: (فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ) الفاء فيه للعطف، تقديره: فقولوا له قَوْلي لِيُصَلِّ.

قوله: (فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ) قائل ذلك هي عائشة كما جاء في بعض الروايات الآتية.

قوله: (أَسِيفٌ) على وزن: فعيل بمعنى فاعل، من الأسف وهو شدة الحزن، والمراد أنه رقيقُ القلب سريعُ البكاء، ولا يستطيع لغلبة البكاء وشدة الحزن، والأسفُ عند العرب شدة الحزن والندم، يقال منه: أسف فلان على كذا يأسف (١) إذا اشتد حزنُه، وهو رجل أسيف وأَسوف، ومنه قول يعقوب عليه السلام: {يَاأَسَفَا عَلَى يُوسُفَ} [يوسف:٨٤] يعني: واحُزناه واجَزَعاه تأسفاً وتوجعاً لفقده، وقيل: الأسيف: الضعيفُ من الرجال في بطشه. وأما الآسف فهو: الغضبان المتلهف. قال تعالى: {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا} [الأعراف:١٥٠]، وسيأتي بعد ستة أبواب من حديث ابن عمر في هذه القصة: فقالت له عائشة: إنه رجل رقيق القلب إذا قرأ غلبه البكاء. ومن رواية مالك عن هشام عن أبيه عنها بلفظ: قالت عائشة: قلت: إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يُسمع الناس من البكاء، فمُرْ عمر، كما ذكرنا عن قريب.

قوله: (وَأَعَادَ) أي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، مقالته في أبي بكر بالصلاة.

قوله: (فَأَعَادُوا لَهُ) أي من كان في البيت، يعني الحاضرون له مقالتَه (٢) في كون أبي بكر أسيفا. قال شيخنا: والمخاطِب بذلك عائشة كما ترى، لكن جمَعَ لأنهم كانوا موافقين لها على ذلك، ووقع في حديث أبي موسى بالإفراد، ولفظه: فعادت. ولابن عمر: فعاودته. انتهى.

قوله: (فَأَعَادَ الثَّالِثَةَ) أي فأعاد عليه السلام المرةَ الثالثة من مقالته تلك. وفي رواية أخرى: فراجعتُه مرتين أو ثلاثة.

وفي قوله: (إِنَّكُنَّ صَوَاحِبُ يُوسُفَ) حذفٌ بيَّنَهُ مالكُ في روايته المذكورة، وأن المخاطِب له حينئذٍ حفصةُ بنت عمر بأمرِ عائشةَ وفيه أيضاً: فمُرْ عمرَ، فقال: ((مه إنكن لأنتن صواحبُ يوسف))، وصواحبُ جمع صاحبة على خلاف القياس، وهو شاذ. قاله العيني. والمراد أنهن مثلُ صواحب، في إظهار خلافِ ما في الباطن، ثم إن هذا الخطاب وإن كان بلفظ الجمع فالمراد به واحدٌ وهي عائشة فقط، كما أن صواحب صيغة جمعٍ، والمراد زليخا فقط، ووجه المشابهة بينهما في ذلك أن زليخا استدعت النسوة وأظهرتْ لهن الإكرامَ بالضيافة ومرادُها زيادةٌ على ذلك، وهو أن ينظرن إلى حُسْنِ يوسف ويعذرْنها في محبته، وأن عائشة أظهرت أن سبب إرادتها صرفُ الإمامة عن أبيها كونُه لا يُسمع المأمومين القراءةَ لبكائه،


(١) في (الأصل) : ((تأسف)) والصواب ((يأسف)).
(٢) كذا في (الأصل) : ((مقالته)) ولعل الصواب ((مقالتهم)).

<<  <   >  >>