للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أبو بكرٍ -وكان رجلاً رقيقاً-: يا عمر صل بالناس. فقال له عمر: أنت أحق بذلك. وقولُ أبي بكر هذا لم يُرِدْ به ما أرادت عائشة. قال النووي: تأولَّه بعضهم على أنه قال ذلك تواضعاً وليس كذلك، بل قاله للعذر المذكور، وهو أنه رقيق القلب كثيرُ البكاء، فخشيَ ألّا يُسمع الناس. وقيل: يحتمل أن يكون فهم رضي الله عنه من الإمامةِ الصغرى الإمامةَ الكبرى، وعلم ما في تحمُّلها من الخطر، وعلم قوة عمر رضي الله عنه على ذلك فاختاره. ويؤيده أنه عند البيعة أشار عليهم أن يبايعوه أو يبايعوا أبا عبيدة بن الجراح.

قلت: ويحتمل أن أبا بكر رضي الله عنه أراد بذلك تطييب قلب عمر وتسكين خواطر المأمومين، لكون النبي صلى الله عليه وسلم منع عمر من الإمامة مع وجود أبي بكر رضي الله عنهما، فكأنه يقول له: يا عمر وإن قدمَني النبيُّ صلى الله عليه وسلم عليك فأنا راض بتقديمك عَلَيَّ، فإنَّ قول أبي بكر: يا عمر صلِّ بالناس يدل على رضاه بأن يكون إماماً له في الصلاة وقد عُلِم من تقديم النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر على عمر فضلُه عليه فيكون رضي مَن عمر أفضل منه من باب أولى. انتهى.

قوله: (فَوَجَدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ خِفَّةً) ظاهرُه أنه عليه السلام وجدها في تلك الصلاة بعينها، ويحتمل أن يكون ذلك بعدَها. وفي رواية موسى بن أبي عائشة: فصلى أبو بكر تلك الأيام، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد من نفسه خفة، فعلى هذا لا يتعين أن تكون الصلاة المذكورة هي العشاء.

قوله: (يُهَادَى) بلفظ المجهول من المفاعلة، يقال: جاء فلان يهادَى بين اثنين، إذا كان يمشي بينهما معْتمداً عليهما من ضعفه، متمايلاً إليهما في مشيه من شدة الضعف، والتهادي التمايل في المشي البطيء.

قوله: (بَيْنَ رَجُلَيْنِ) سيأتي في الحديث الثاني من حديثَيْ الباب أنهما العباس بن عبد المطلب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وقد مر في بيان اختلاف الروايات: فخرج بين بَرِيرة ونُوبَة، بضم النون وفتح الباء الموحدة، وكان عبداً أسود، ويدل عليه حديث سالم بن عبيد في «صحيح ابن خزيمة» بلفظ: فخرج بين بَرِيرة ورجلٍ آخر، قال شيخنا: وذكره بعضُهم في النساء الصحابيات فوهِم، وإنما هو عبد أسود كما وقع عند (١) سيف في كتاب «الردة»، ويؤيده حديث سالم بن عبيد أي المذكور، قال العيني: أراد بالبعضِ الذهبيَّ، فإنه ذكر نُوبة في باب النون في الصحابيات، وقال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مرضه بين بريرة ونُوبة، وإسناده جيد، وقد علمتَ أن الذهبي من جهابذة المتأخرين لا يجارىَ في فنِّه.

قلت: هذا مشهورٌ بين أئمة الفن وغيرهم، لكن لا يلزم من ذلك عدم وهمِه، بل هذا شيء لا ينفك


(١) في (الأصل) : ((عبد)) والصواب ((عند))، وسيف بن عمر التميمي له كتاب الردة والفتوح.

<<  <   >  >>