استدل به ابنُ المسيب على أن مقام المأموم يكون عن يسار الإمام، لأنه عليه السلام جلس على يسار أبي بكر، والجماعةُ على خلافه، ويتمشَّى قوله على أن الإمام هو أبو بكر، وأما من قال: الإمامُ هو النبي صلى الله عليه وسلم فلا يتمشى قولُه. قال العيني: اختلفت الروايات: هل كان النبي صلى الله عليه وسلم الإمامُ أو أبو بكر الصديق رضي الله عنه؟ فجماعة قالوا: الذي رواه البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها صريحٌ في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان الإمامَ إذْ جلس عن يسار أبي بكر، ولقوله: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس جالساً وأبو بكر قائماً يقتدي به، وكان أبو بكر مبلغاً، لأنه لا يجوز أن يكون للناس إمامان. وجماعةٌ قالوا: كان أبو بكر هو الإمام، لِما رواه شعبة عن الأعمش عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى خلف أبي بكر، وفي رواية مسروق عنها: أنه عليه السلام صلى خلف أبي بكر جالساً في مرضه الذي توفي فيه، وروي حديثُ عائشة بطرق كثيرة في الصحيحين وغيرهما، وفيه اضطراب غير قادح. وقال البيهقي: لا تعارض في أحاديثها، فإن الصلاة التي كان فيها النبي صلى الله عليه وسلم إماماً هي صلاة الظهر يومَ السبت أو يومَ الأحد، والتي كان فيها مأموماً هي صلاة الصبح من يوم الإثنين، وهي آخر صلاة صلاها عليه السلام حتى خرج من الدنيا.
وقال نُعيم بن أبي هند: الأخبار التي وردت في هذه القصة كلها صحيحة، وليس فيها معارض، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في مرضه الذي مات فيه صلاتين في المسجد، في إحداهما كان إماماً، وفي الأخرى كان مأموماً. وقال الضياء المقدسي وابنُ ناصر: صح وثبت أنه عليه السلام صلى خلفه مقتدياً به في مرضه الذي توفي فيه ثلاث مرات، ولا ينكِر ذلك إلا جاهلٌ لا علم له بالرواية. وقيل: إن ذلك مرتين جمعاً بين الأحاديث، وبه جزم ابن حبان. وقال ابن عبد البر: الآثار الصحاح على أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الإمام.
الثاني والعشرون: فيه تقديم الأفقه الأقرأ، وقد جمع الصِّديق رضي الله عنه القرآنَ في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما ذكره أبو بكر بن الطيب وأبو عمرو الداني.
الثالث والعشرون: فيه جواز تشبيه أحد بأحد وصف (١) مشهور بين الناس.
الرابع والعشرون: فيه أن للمستخلَف أن يَستخلِف في الصلاة ولا يتوقف على أذن خاص له بذلك.
قلت: وفيه شيء من دلائل النبوة وهو: كونُه صلى الله عليه وسلم عَلِمَ ما أبطنت عائشة رضي الله عنها، وفيه خطاب الشخص بشيء والمراد به غيرُه، وفيه الصدع بالحق ولو حصل به مشقة، وفيه ذكر ما يلقاه الشخص من المشقة بسبب غيره ومعاتبةِ مَن كان السبب فيه، وفيه المشقةُ على الأب والمسارعةُ لدفع المكروه عنه، وفيه أن من عجز عن القيام صلى قاعداً. انتهى.
قوله: (رَوَاهُ أَبُو
(١) كذا في (الأصل) : ((وصف)) ولعل الصواب ((في وصف)).