في «الأم» : يقوم من السجدة الثانية، ولم يأمر بالجلوس. فقال بعض أصحابه: إن ذلك على اختلاف حالين إن كان كبيراً أو ضعيفاً جلس، وإلا لم يجلس. وقال بعض أصحابه: في المسألة قولان: أحدهما: لا يجلس، وبه قال أبو حنيفة ومالك والثوري وأحمد وإسحاق، وروي ذلك عن ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعمر وعلي وأبي الزناد والنخعي. وقال ابن قدامة: وعن أحمد قولٌ إنه يجلس، وهو اختيار الخلال، وقيل إنه فصَّل بين الضعيف وغيره. وقال أحمد: وترْكُ الجلوس عليه أكثر الأحاديث. وقال النعمان بن أبي عياش: أدركت غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجلس. قال الترمذي: وعليه العمل عند أهل العلم. وقال أبو الزياد (١) : تلك السنة، وأجابوا عن حديث مالك بن الحويرث بأنه: يحتمل ذلك أن يكون بسبب ضعف كان به عليه السلام. وقال السفاقسي: قال أبو عبد الملك: كيف ذهب هذا الذي أخذ به الشافعي على أهل المدينة والنبي صلى الله عليه وسلم، يصلي بهم عشر سنين؟ وصلى بهم أبو بكر وعمر وعثمان والصحابة والتابعون، فأين كان يذهب عليهم هذا المذهب؟ قال الطحاوي: والنظر يوجب أنه ليس بين السجود والقيام جلوس، لأن من بيان الصلاة التكبير فيها والتحميد عند كل خفض ورفع وانتقال من حال إلى حال، فلو كان بينهما جلوس لاحتاج أن يكبِّر عند قيامه من ذلك الجلوس تكبيرة، كما يكبر عند قيامه من الجلوس في صلاته إذا أراد القيام إلى الركعة التي بعد الجلوس. انتهى.
قلتُ: لا يرجع إلى هذا ثبوتُ فعله عليه السلام، لذلك قال صاحب «التوضيح» : وجلسة الاستراحة ثابتة في حديث أبي حُميد الساعدي، لا كما نفاها الطحاوي، بل هي ثابتة في حديث المسيء في صلاته في البخاري. قال العيني: ما نفى الطحاوي إلا كونها سنة، وقد روى الترمذي من حديث أبي هريرة:((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينهض في الصلاة معتمدا على صدور قدميه)). وقال الترمذي: هذا الحديث عليه العمل عند أهل العلم. فإن قلتَ: في مسنده خالد بن إياس، وقيل: إلياس ضعَّفَه البخاري والنسائي وأحمد وابن معين. قال العيني: قال الترمذي: مع ضعفه يكتب حديثه، ويقويه ما روي عن الصحابة في ذلك على ما ذكرناه. انتهى.
قلتُ: هذا الحديث لا يقاوم حديث مالك ولا حديث المسيء صلاته، وما نُقِل عن الصحابة لا يرقى في حديث أبي هريرة إلى رتبة الحديثين المذكورين، وحديث مالك اجتمع فيه القول والفعلُ، وما روي عن الصحابة فعلٌ وليس فيه قولٌ بنفي ما أثبتَه مالك بن الحويرث. انتهى. ونُقل عن ابن عمر أنه كان يعتمد عند قيامه، وفَعَلَه مسروق ومكحول وعطاء والحسن، وهو قول الشافعي وأحمد محتجَّيْنِ بهذا الحديث، وأجازه مالك في «العتبية» ثم كرهه
(١) في (الأصل) : ((أبو الزياد)) والصواب ((أبو الزناد)).