مواضع: هنا وفي الصلاة أيضاً فيما يجوز من التسبيح والحمدِ للرجال ورفعِ الأيدي فيها لأمرٍ ينزل به والإشارةِ فيها والسهو والصلح والأحكام. وأخرجه مسلم في الصلاة عن قتيبة وعن محمد بن عبد الله بن بَزِيع وعن يحيى بن يحيى. وأخرجه أبو دواد عن القَعْنَبي وعن عمرو بن عون، وأخرجه النسائي عن محمد بن عبد الله وعن أحمد بن عبده.
قوله:(إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ) هم من ولد مالك بن الأوس والخزرج، وبنو عمرو بن عوف بطنٌ كبير من الأوس فيه عدة أحياء منهم: بنو أمية بن زيد بن مالك بن عوف بن عمرو بن عوف، وبنو ضبيعة بن زيد، وبنو ثعلبة بن عمرو بن عوف. والسبب في ذهابه عليه السلام إليهم ما رواه البخاري في الصلح من طريق محمد بن جعفر عن أبي حازم:(أَنَّ أَهْلَ قُبَاءٍ اقْتَتَلُوا حَتَّى تَرَامَوْا بِالحِجَارَةِ، فَأُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَقَالَ: ((اذْهَبُوا بِنَا نُصْلِحُ بَيْنَهُمْ))). وروَى في الأحكام من طريق حماد بن زيد أن توجهه كان بعد أن صلى الظهر. وروى الطبراني من طريق عمر بن علي عن أبي حازم أن الخبر جاء بذلك وقد أذَّن بلال لصلاة الظهر.
قوله:(فَحَانَتِ الصَّلَاةُ) أي صلاة العصر، وصرَّح به في الأحكام. ولفظه:(فَلَمَّا حَضَرَتْ صَلَاةُ العَصْرِ، فَأَذَّنَ بِلَالٌ وَأَقَامَ، وَأَمَرَ أَبَا بَكْرٍ فَتَقَدَّمَ) ولم يبين فاعلَ ذلك، وقد أخرجه أبو داود في «سننه» بسند صحيح، ولفظه: كان قتالٌ بين بني عمرو بن عوف فبلغ ذلك النبيَّ صلى الله عليه وسلم فأتاهم ليصلح بينهم بعد الظهر، فقال لبلال:((إن حضرتْ صلاةُ العصر ولم آتك فمُرْ أبا بكر فليصل بالناس))، فلما حضرت صلاة العصر أذن بلال ثم أقام ثم أمر أبا بكر فتقدم. وعُلم من ذلك أن المراد من قوله:(فَجَاءَ المؤَذِّنُ) هو: بلال.
قال شيخنا: وأخرجه أحمد وابن حبان من رواية حماد المذكورة، ونحوُه للطبراني من رواية موسى بن محمد عن أبي حازم.
قوله:(فَقَالَ) أي المؤذن الذي هو بلال.
قوله:(أَتُصَلِّي لِلنَّاسِ؟) الهمزة فيه للاستفهام على سبيل التقرير، وبهذا يندفع إشكال من يقول: هذا يخالف ما ذُكِر في رواية أبي داود من قوله: ثم أمَرَ أبا بكر فتقدم. لأنه يُحمل على أنه استفهمه هل يبادر أولَ الوقت أو ينتظر قليلاً ليأتي النبيُّ صلى الله عليه وسلم، ورجح عند أبي بكر المبادرة، لأنها فضيلة محققة فلا تُترك لفضيلة متوهمة. قال شيخنا: وفي هذه الزيادة أي التي في رواية أبي داود رَدٌّ لما اختاره الروياني أن الإمام الراتب إذا غاب ولم يستنِبْ أحداً أنَّ الحاضرين يقدمون منهم رجلاً يؤمُهم، واحتج مِن حديث الباب بفعل أبي بكر ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وقد أفادت الزيادة المذكورة أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم عَهِد إلى بلال أن يقدم أبا بكر إذا أبطأ هو عن العادة التي كان يصلي فيها، لأن محله إذا لم يقع من الإمام الراتب استنابةٌ.
قوله:(فَأُقِيمَ) قال الكِرماني: بالرفع والنصب، وسكت على ذلك. قال العيني: وجه الرفع على أنه خبرُ مبتدأٍ محذوفٍ تقديره: فأنا أقيمُ، ووجه النصب على أنه جواب الاستفهام، والتقدير: فأن أقيمَ؟