للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ووقع في رواية حماد بن زيد بصيغة الأمر، ولفظه: (إِذَا نَابَكُمْ أَمْرٌ، فَلْيُسَبِّحِ الرِّجَالُ، وَلْيُصَفِّحِ النِّسَاءُ).

في هذا الحديث فضل الإصلاح بين الناس وجمع كلمة القبيلة وحسم مادة القطيعة، وتوجُّهُ الإمام بنفسه إلى بعض رعيته لذلك، وتقديمُ مثل ذلك على مصلحة الإمام بنفسه. واستُنبِط منه توجهُ الحاكم لسماع دعوى بعض الخصوم إذا رَجَحَ ذلك على استحضارهم.

وفيه: جواز الصلاة الواحدة بإمامين أحدُهما بعد الآخر، وأَنَّ الإمام الراتب إذا غاب يستخلف غيرَه، وأنه إذا حضر بعد أن دخل نائبُه في الصلاة يتخير بين أن يأتم به أو يؤم هو ويصيرَ النائبُ مأموماً من غير أن يقطع الصلاة، ولا يبطُل بشيءٍ من ذلك صلاةُ أحدٍ من المأمومين. وادعى ابنُ عبد البر أن ذلك من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم، وادعى الإجماعَ على عدم جواز ذلك لغيره صلى الله عليه وسلم، ونوقض بأن الخلاف ثابت، فالصحيحُ المشهور عند الشافعية: الجوازُ، وعن ابن القاسم في الإمام يُحِدثُ فيستخلفُ ثم يرجع فيَخرُج المستخلَف ويُتِمُّ الأول: أن الصلاة صحيحةٌ. قال العيني: هذا خَرْقُ الإجماعِ السابقِ قَبْلَ هؤلاء الشافعية، وَخَرْقُ الإجماع باطل. انتهى.

وفيه: جواز إحرام المأموم قبل الإمام، وأن المرء قد يكون في بعض صلاته إماماً وفي بعضها مأموماً، وأن من أحرم منفردا ثم أقيمت الصلاة جاز له الدخول مع الجماعة من غير قطعٍ لصلاتِه، كذا استنبطه الطبري من هذه القصة، وهو مأخوذ من لازم جواز إحرام الإمام بعد المأموم. قال العيني: هذا قول غير صحيح يَرُدُّهُ قوله عليه السلام: ((إذا كبَّر الإمامُ فكبروا) ولفظ البخاري: ((فإذا كبَّرَ فكبروا))، وقد رَتب تكبير المأموم على تكبير الإمام فلا يصح أن يسبقه. وقال ابن بطال: لا أعلم من يقول: إن من كبر قبل إمامه فصلاته تامة إلا الشافعي بناء على مذهبه، وهو أن صلاة المأموم غير مرتبطة بصلاة الإمام، وسائر الفقهاء لا يجيزون ذلك. انتهى. قلت: الحديث حجة على من خالفَ الشافعيَّ رحمه الله.

وفيه: فضل أبي بكر على جميع الصحابة، واستدل به جمع من الشرَّاح ومن الفقهاء كالروياني على أن أبا بكر كان عند الصحابة أفضلهم لكونهم اختاروه دون غيره. وعلى جواز تقديم الناس لأنفسهم إذا غاب إمامهم، قالوا: ومحل ذلك إذا أُمِنت الفتنةُ والإنكار من الإمام، وأن الذي يتقدم نيابةً عن الإمام يكون أصلحَهم لذلك الأمر وأقومَهم به، وأن المؤذن وغيره يعرِض التقدم على الفاضل، وأنَّ الفاضل يوافقُه بعد أن يعلمَ أن ذلك بِرِضَى الجماعة. انتهى. وكل ذلك مبني على أن الصحابة فعلوا ذلك بالاجتهاد وقد قدمنا أنهم إنما فعلوا ذلك بأمر النبي صلى الله عليه وسلم.

وفيه: أن الإقامة واستدعاء الإمامِ مِن وظيفةِ المؤذن. وأنه لا يقيم إلا بإذن الإمام. وأنَّ فِعْلَ ذلك - لا سيما العصر - مِن

<<  <   >  >>