للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

أن إماماً لهم اشتكى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فكان يؤمُّنا وهو جالسٌ ونحن جلوس. وروى ابن المنذر بإسناد صحيح عن أُسَيدِ بن حُضَير: أنه كان يؤم قومَه فاشتكى فخرج إليهم بعد شكواه (١) فأمروه أن يصلي بهم فقال: إني لا أستطيع أن أصليَ قائماً، فقعَدوا فصلى بهم قاعداً وهم قعود. وروى أبو داود من وجه آخر عن أُسَيدِ بن حُضَير أنه قال: يا رسول الله إن إمامنا مريضٌ. قال: ((إذا صلى قاعداً فصلُّوا قعوداً)). وفي إسناده انقطاع. وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن جابر أنه اشتكى فحضرت الصلاة فصلى بهم جالساً (٢) وصلَّوا معه جلوسا. وعن أبي هريرة: أنه أفتى بذلك. وإسناده صحيح أيضاً.

وقد ألزم ابنُ المنذر من قال: فإنَّ الصحابي أعلمُ بتأويل ما رَوَى، فَأَن يقول بذلك، لأن أبا هريرة وجابراً رَوَيا الأمرَ المذكور واستمرَّا (٣) على العمل به والفتيا بعد النبي صلى الله عليه وسلم، ويلزمُ ذلك مَن قال: إن الصحابي إذا روى وعمل بخلافه أنَّ العبرة بما عمل من باب الأولى، لأنه هنا عمل بوفق ما رَوَى. وقد ادعى ابنُ حبان الإجماعَ على العمل به، وكأنه أراد السكوتيَّ، لأنه حكاه عن الأربعة الذين ذكرناهم، وقال: لا أحفظُ عن أحد من الصحابة غيرِهم القولَ بخلافه من طريقٍ صحيح ولا ضعيف.

وكذا قال ابن حزم: إنه لا يحفظ عن أحد من الصحابة خلافَ ذلك، ثم نازَعَ في ثبوت كون الصحابة صلَّوْا خلفَه - عليه السلام - وهو قاعدٌ قياماً غيرَ أبي بكر، قال: لأن ذلك لم يرِدْ صريحاً. قال شيخُنا: وأطال في ذلك بما لا طائل فيه، والذي ادعى نفيه قد أثبته (٤) الشافعيُّ وقال: إنه في رواية إبراهيم عن الأسود، ثم وجدتُه مصرَّحاً به أيضا في مصنف عبد الرزاق عن ابن جُريج أخبرني عطاء... فذَكَر الحديثَ ولفظُه: فصلى النبي صلى الله عليه وسلم قاعداً وجعل أبا بكر بينَه وبين الناس، وصلى الناسُ وراءَه قياماً. وهذا مرسلٌ مُعتضِدٌ بالرواية التي علَّقها الشافعي عن النخعي، وهذا هو الذي يقتضيه النظر فإنهم ابتدؤوا الصلاةَ مع أبي بكر قياماً بلا نزاع، فمَن ادَّعى أنهم قعَدوا بعد ذلك فعليه البيان.

ثم رأيتُ ابنَ حِبَّان استدل على أنهم قعدوا بعدَ أن كانوا قياماً بما رواه من طريق أبي (٥) الزبير عن جابر قال: اشتكى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فصلينا وراءه وهو قاعدٌ وأبو بكر يُسمِعُ الناس التَّكبير، قال: فالتفت إلينا فرآنا قياماً فأشار إلينا فقعدنا، فلمَّا سلَّم قال: ((إن كدتم لتفعلون فعلَ فارس والروم فلا تفعلوا...)). الحديثُ. وهو حديث صحيح أخرجه مسلم، لكن ذلك لم يكن في مرض موته وإنما كان ذلك حيث سقط عن الفرس كما في رواية أبي سفيان عن جابر أيضاً قال: ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً بالمدينة فصرعه (٦) على جذم نخلة فانقلَبَ قدمُه... الحديثُ. قلت: الجذمُ: القطع. انتهى. أخرجه أبو داود وابن خزيمة بإسناد صحيح.

فلا حجة على هذا لِما ادعاه إلا أنه تمسُّكَ بقولِ في رواية أبي الزبير: وأبو بكر يُسمع الناس التكبيرَ. وقال: إن ذلك لم يكن إلا


(١) في (الأصل) : ((سلوه))، والصواب: ((شكواه)) كما في فتح الباري.
(٢) في (الأصل) : ((والنساء))، والصواب: ((جالساً)) كما هو في مصنف ابن أبي شيبة.
(٣) في (الأصل) : ((واستموا))، والصواب: ((واستمرَّا)).
(٤) كلمة غير واضحة في (الأصل) : ولعلها ((أثبته)).
(٥) في (الأصل) : ((ابن))، والصواب: ((أبي)) كما هو في صحيح ابن حبان.
(٦) في (الأصل) : ((فصرحه))، والصواب: ((فصرعه)).

<<  <   >  >>