للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

ذلك لغيره، وأيضاً فنقصُ صلاة القاعد عن القائم لا يُتصور في حقه ويُتصور في حق غيره. والجواب عن الأول: رده بعموم قوله: ((صلوا كما رأيتموني أصلي) وعن الثاني: بأن النقص إنما يكون في حق القادر في النافلة وأما المعذور في الفريضة فلا نقص في صلاته عن القائم.

واستُدِل به على نسخ الأمر بصلاة المأموم قاعداً إذا صلى الإمام قاعداً لكونه - صلى الله عليه وسلم - أقر الصحابة على القيام خلفَه وهو قاعد، هكذا قرره الشافعي وكذا نقله المصنف في آخر الباب عن شيخه الحميدي وهو تلميذ الشافعي، وبذلك يقول أبو حنيفة وأبو يوسف والأوزاعي وحكاه الوليد بن مسلم عن مالك وأنكر أحمد نسخ الأمر المذكور بذلك.

وجَمَعَ بين الحديثين بتنزيلهما على حالتين: إحداهما إذا ابتدأ الإمام الراتب الصلاة قاعداً لِمرضٍ يرجى برؤه فحينئذ يصلون خلفه قعوداً، ثانيهما إذا ابتدأ الإمام الراتب قائماً لزِم المأمومين أن يصلوا خلفه قياماً سواءٌ طرَأ ما يقتضي صلاة إمامهم قاعداً أم لا كما في الأحاديث التي في مرض موته صلى الله عليه وسلم، فإن تقريرَه لهم على القيام دل على أنه لا يلزمهم الجلوس في تلك الحالة، لأن أبا بكر ابتدأ الصلاة بهم قائماً وصلَّوا معه قياماً بخلاف الحالةِ الأولى فإنه - صلى الله عليه وسلم - ابتدأ الصلاة جالساً فلما صلَّوْا خلفه قياماً أنكر عليهم. ويقوِّي هذا الجمعَ أن الأصل عدمُ النسخ لا سيما وهو في هذه الحالة يستلزِمُ دعوى النسخ مرتين، لأن الأصل في حكم القادر على القيام أن لا يصليَ قاعداً، وقد نُسِخ إلى القعود في حق من صلى إمامُه قاعداً، فدعوى نسخ القعود بعد ذلك يقتضي وقوع النسخ مرتين وهو بعيد، وأبعد منه ما تقدم عن القاضي عياض فإنه يقتضي وقوع النسخ ثلاث مرات.

وقد قال بقول أحمدَ جماعةٌ من محدِّثي الشافعية كابن خزيمة وابنِ المنذر وابن حبان، وأجابوا عن حديث الباب بأجوبة أخرى منها: قولُ ابنِ خزيمة إن الأحاديث التي وردت بأمر المأموم أن يصليَ قاعداً تبعاً لإمامِه لم يُختَلَف في صحتها ولا في سياقها وأما صلاته - عليه السلام - قاعداً فاختُلِف فيها: هل كان إماماً أو مأموماً. قال: وما لم يُختَلفْ فيه لا ينبغي تركه لِمُختَلَفٍ فيه.

وأجيب: بدفع الاختلاف والحَملِ على أنه كان إماماً مرةً ومأموماً أخرى. ومنها: أن بعضهم جمع بين القصتين بأن الأمر بالجلوس كان للندب، وتقريرُه قيامَهم خلفَه كان لبيان الجواز، فعلى هذا إِنْ أَمَّ قاعداً لعذر تخيرَ من صلى خلفَه بين القعود ِوالقيامِ، والقعودُ أولى لثبوت الأمر بالائتمام والاتباعِ وكثرةِ الأحاديث الواردة في ذلك.

وأجاب ابن خزيمة عن استبعادِ من استبعد ذلك بأن الأمر قد صدر من النبي صلى الله عليه وسلم بذلك واستمر عملُ الصحابة في حياته وبعده، فروى عبد الرزاق بإسناد صحيح عن قيس بن قَهْدٍ - بفتح القاف وسكون الهاء - الأنصاري:

<<  <   >  >>