للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

عن الشعبي، وهو قوله عليه السلام: ((لا يَؤُمَّنَّ أحدٌ بعدي جالساً))، وهذا لو صح إسناده لكان مرسلاً، والمرسل عندنا وما لم يُروَ سِيَّان، لأنَّا لو قبلنا إرسال تابعيٍّ وإن كان ثقة لَلَزِمَنا قَبول مثله عن أتْباع التابعين، ويؤدي ذلك إلى أن يُقبل من كل أحد إذا قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. وفي هذا نقض (١) الشريعة، والعجب أن أبا حنيفة يجرح جابراً ويكذِّبه، ثم لما اضطره الأمر جعل يحتج بحديثه، وذلك كما أخبرنا به الحسين بن يزيد القطان بالرَّقة حدثنا أحمد بن أبي الحوراء سمعت أبا يحيى الجُمَّاني سمعت أبا حنيفة يقول: ما رأيت فيمن لقيت أفضل من عطاء، ولا لقيت فيمن لقيت أكذب من جابر الجعفي، ما أتيتُه بشيء إلا جاءني فيه بحديث.

قال العيني: أما إنكاره النسخ فليس له وجه لأنَّ الذي يجب به العمل هو ما استقرَّ عليه آخرُ الأمرين منه - عليه السلام - صلاتُه قاعداً والناس وراءَه قيامٌ دلَّ على أنَّ ما كان قبلَه من ذلك مرفوعُ الحكم.

وأما قوله: أفتى به من الصحابة جابر وغيره، فقد قال الشافعي: إنهم لم يبلغهم النسخ، وعلم الحاجة يوجد عند بعض ويعزب عن بعض، وأما قوله: والإجماع إجماع الصحابة، فغير مُسَلَّم، لأن الأدلة غير فارقة بين أهل عصر بل يتناول لكل أهل عصر كتناولها لأهل عصر الصحابة، إذْ لو كان خطاباً للموحِّدِين وقتَ النزول فقط يلزم أن لا ينعقد إجماع الصحابة بعد موت من كان موحِّداً وقت النزول، لأنه حينئذ لا يكون إجماعُهم أجماعَ جميع المخاطبين وقت النزول، ويلزم أن لا يُعتَدَّ بخلاف من أسلم أو وُلِد من الصحابة بعد النزول لكونهم خارجين عن الخطاب، وقد اتفقتم معنا على إجماع هؤلاء فلا يختص بالمخاطَبين، والخطاب لا يختص بالموجودين كالخطاب بسائر التكاليف، وهذا الذي قاله ابن حبان هو من مذهب داودَ وأتباعِه.

وأما قوله: والمرسل عندنا وما لم يُرْوَ سِيَّان... إلى آخره، فغير مسَلَّم أيضاً لأن إرسال العدل من الأئمة تعديلٌ له، إذْ لو كان غيرَ عدل لوجب عليه التنبيهُ على جرحه والإخبارُ عن حاله، فالسكوت بعد الرواية عنه يكون تلبيساً أو تحميلاً للناس على العمل مِمَّا ليس بحجة، والعدلُ لا يُتَّهَم بمثل ذلك، فيكون إرساله توثيقاً (٢) له، لأنه يُحتمل أنه كان مشهوراً عنده فروى عنه بناءً على ظاهر حاله، وفوَّض تعريف حالِه إلى السامع حيث ذَكَرَ اسمَه. وقد استدل بعضُ أصحابنا لقَبول المرسل باتفاق الصحابة، فإنهم اتفقوا على قبول روايات ابن عباس مع أنه لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أربعَ أحاديث لصغر سنه كما ذكره الغزالي، أو بضعَ عشر حديثاً كما ذكره شمس الأئمة السرَخْسي. وقال ابن سيرين: ما كنا نسند الحديث إلى أن وقعت الفتنة، وقال بعضهم: رد المراسيل بدعة حادثة


(١) في (الأصل) : ((بعض))، والصواب: ((نقض)).
(٢) في (الأصل) : ((توقيفاً))، والصواب: ((توثيقاً)).

<<  <   >  >>