للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

والسرُّ فيه أن نفي الضد كأنه يقع جواباً لمن أثبته بخلافِ إثبات الصفة. انتهى كلامه المعترِض. والذي يظهر لي أن الفرق بينهما أنه يقع في الإثبات بالمطابقة وفي النفي بالالتزام، لكن التنظير صحيح بالنسبة إلى المعنى المراد باللفظين لأن كلاً منهما يرِد عليه أنه تزكية في حقِّ مقطوعٍ بتزكيتِه فيكون من تحصيل الحاصل، ويحصل الانفصال عن ذلك بما تقدم من أن المراد بكل منهما تفخيم الأمر وتقويته في نفس السامع.

قال العيني: قد ظهر من كلام الخطابي وعياض والنووي أن هذا القول في البراءِ، وتَرَجَّحَ هذا بوجهين:

الأول: أنه روي عن أبي إسحاق في بعض طرقه: سمعت عبد الله بن يزيد وهو يخطب يقول: حدثني البراء، وكان غير كَذوب. قال ابن دقيق العيد: استدل به بعضُهم على أنه كلام عبد الله بن يزيد. قال العيني: إذا كان هذا كلامَ عبد الله فيكون ذلك في البراء، وأوضَحُ من هذا وأبْيَنُ ما رواه ابن خزيمة في «صحيحه» من طريق محارب بن دثار، قال: سمعت عبد الله بن يزيد على المنبر يقول: حدثني البراء وكان غير كذوب.

الثاني: أن الضمير أعني قوله: (وَهُوَ) يرجع إلى أقرب المذكورَيْن وهو البراء، فإن قلت: كيف نزَّه يحيى بن معين البراء عن التعديل لأجل صحبته ولم ينزه عبد الله بن يزيد وهو أيضاً صحابي؟ أجيب: يحيى بن معين لا يُثبِتُ صحبتَه فلذلك تنسب هذه اللفظة إليه، ووافقه على ذلك مصعب الزبيري، وتوقف في صحبته أحمد وأبو حاتم وأبو داود، وأثبتها ابن البَرقي والدارقطني وآخرون. فإن قلت: نفي الكَذُوبية لا يستلزِم نفي الكاذبية، مع أنه يجب نفي مطلق الكذب عنهما. أجيب: معناه غيرُ ذي كذب، كما قيل في قوله تعالى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت: ٤٦]. أي: وما ربك بذي ظلم. فإن قلتَ: ما سبب رواية عبد الله بن يزيد هذا الحديث؟ قال العيني: روى الطبراني من طريقه أنه كان يصلي بالناس بالكوفة، فكان الناس يضعون رؤوسهم قبل أن يضع رأسه، ويرفعون قبل أن يرفع رأسه، فذكر الحديث في إنكاره عليهم.

قوله: (قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، لَمْ يَحْنِ أَحَدٌ مِنَّا ظَهْرَهُ، حَتَّى يَقَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَاجِدًا، ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ)

مطابقته للترجمة في قوله: (ثُمَّ نَقَعُ سُجُودًا بَعْدَهُ)، فإنه يقتضي أن يكون سجودُ من خلف الإمام إذا شرَع الإمام في السجدة.

هذا الحديث أخرجه البخاري أيضاً عن أبي نعيم وعن حجاج عن شعبة وعن آدم عن إسرائيل. وأخرجه مسلم فيه عن أحمد بن يونس ويحيى بن يحيى كلاهما عن زهير وعن أبي بكر بن خلاد. وأخرجه أبو داود فيه عن حفص بن عمر عن شعبة به. وأخرجه الترمذي فيه عن بندار عن ابن مهدي عن سفيان به. وأخرجه النسائي عن يعقوب بن إبراهيم عن إسماعيل بن عُليَّة وعن علي بن الحسين الدرهمي عن أمية بن خالد، كلاهما عن شعبة به.

قوله: (إِذَا قَالَ: سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ) وفي رواية شعبة: (إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكَوعِ). ولمسلم من رواية محارب بن دثار: ((فإذا رفع رأسه من الركوع

<<  <   >  >>