للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

مليح السعدي عن أبي هريرة قال: ((الذي يرفع رأسه قبل الإمام ويخفضه قبل الإمام فإنما ناصيته بيد شيطان)). ورواه البزار أيضاً كما ذكرناه، وذكرنا الآن أيضاً عن ابن مسعود: ((أن يعودَ رأسُه رأسَ كلب؟)) وهو موقوف، ولكنه لا يدرَك بالرأي فحكمُه حكمُ المرفوع.

قوله: (أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ) قال الكِرماني أيضاً: الشك فيه من أبي هريرة. وقال شيخنا: الشك فيه من شعبة، فقد رواه الطيالسي عن حماد بن سلمة وابن خزيمة من رواية حماد بن زيد، ومسلمُ من رواية يونس بن عبيد والربيعِ بن مسلم، كلُّهم عن محمد بن زياد بغير تردد، فأما الحمَّادان فقالا: (رَأْسَ)، وأما يونس فقال: (صُورَةَ)، وأما الربيع فقال: (وَجْهَ). والظاهر أنه من تصرف الرواة، قال عياض: هذه الروايات متفقة، لأن الوجه من الرأس ومعظمُ الصورة فيه. والصورة تُطلق على الوجه أيضاً، وأما: الرأسُ، فرواتها أكثر وهي أشمل فهي المعتَمَدة، وخُصَّ وقوع الوعيد عليها لأنَّ بها وقعت الجناية. انتهى.

قال العيني: لا يلزم من إخراج مَن ذَكَرهُم بغير تردد أنْ لا يُخرِج غيرُهُم بتردد، فإذا كان الأمرُ كذلك يُحتمل أن يكون التردد من شعبة أو من محمد بن زياد أو من أبي هريرة، فمن ادعى تعيينَ واحدٍ منهم فعليه البيان، وأما اختلافُهم في الرأس أو الصورة أو الوجهِ كيف يكون من تصرف الرواة ولكل واحد من هذه الألفاظ معنى في اللغة يغاير معنى الآخر؟ أما الرأس فإنه اسم لعضو يشتمل على الناصية والقفا والفَوْدَين. والصورة: الهيئَةٌ، ويقال: صورته حسنة أي هيئته وشَارَتُه، وتطلق على الصفة أيضاً يقال: صورة الأمر كذا وكذا أي: صفته، وتطلق على الوجه أيضاً يقال: صورته حسنة أي: وجهه، وتطلق على شكل الشيء وعلى الخِلقةِ. والوجهُ اسم لما يواجهه الإنسان، وهو من منبت الناصية إلى أسفل الذقن طولاً، ومن شحمة الأذن إلى شحمة الأذن عرضاً. والظاهر أن هذا الاختلاف من اختلاف تعدد القضية. وقول عياض: إن هذه الروايات متفقة... إلى آخره. فيه نظر، لأن الوجه خلافُ الرأس لغةً وشرعاً. انتهى. قلتُ: لا يلزم من كون الرأسِ يغاير الصورة أنْ لا تتصرف الرواةُ في ذلك، وقد وقع مثلُ هذا كثير حتى ألَّفَ الخَطَّابيُّ في ذلك تأليفاً. انتهى.

واعلم أن العلماء اختلفوا في معنى الوعيد المذكور فقيل: يحتمل أن يرجع ذلك إلى أمر معنوي، فإنَّ الحمار موصوف بالبلادة فاستعير هذا المعنى للجاهل بما يجب عليه من فرض الصلاة ومتابعةِ الإمام، ويُرجِّح هذا المجاز أنَّ التحويل لم يقع مع كثرة الفاعلين، لكن ليس في الحديث ما يدل على أن ذلك يقع ولا بد، وإنما يدل على كون فاعله مُتَعرضاً لذلك وكونِ فعله ممكناً لأن يقع عنه ذلك الوعيد، ولا يلزم من التعرض للشيءِ وقوعُ ذلك الشيء، قاله بن دقيق العيد. وقال ابن بَزيزة: يُحتمل أن يراد بالتحويل المسخُ أو تحويل الهيئة الحَسَنة أو المعنوية أو هما معاً. وحمله آخرون على ظاهره إذْ لا مانع من جواز وقوع ذلك.

<<  <   >  >>