للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال شيخنا: وسيأتي في كتاب الأشربة الدليلُ على جواز وقوع المسخ في هذه الأمة، وهو حديث أبي مالك الأشعري في المعازف، فإنَّ فيه ذكر الخسف وفي آخره: (وَيَمْسَخُ آخَرِينَ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ)، وسيأتي مزيدٌ لذلك في تفسير سورة الأنعام إن شاء الله تعالى. ويُقَوِّي حملَه على ظاهره أن في رواية ابن حِبان من وجه آخر عن محمد بن زياد: ((أن يحول الله رأسه رأس كلب)) فهذا يُبَعِّد المجاز لانتفاء المناسبة التي ذكروها من بلادة الحمار، ومما يُبعِّدُه أيضاً إيراد الوعيد بالأمر المستقبل وباللفظ الدال على تغيير الهيئة الحاصلة، ولو أريد تشبيهُه بالحمار لأجل البلادة لقال مثلاً: فرأسُه رأسُ حمار. وإنما قلتُ ذلك لأن الصفة المذكورة وهي البلادةُ حاصلةٌ في فاعل ذلك عند فعلِ المذكور فلا يحسُن أن يقال: يُخشَى إذا فعلتَ ذلك أن تصير بليدًا مع أنَّ فِعْلَهُ المذكور إنما نشأ عن البلادة. وقال ابن الجوزي في الرواية التي عبَّر فيها بالصورة: هذه اللفظة تمنَعُ تأويَل من قال: المرادُ رأس حمار في البلادة. ولم يُبيِّنْ وجهَ المنع. انتهى.

وقال القاضي أبو بكر بن العربي: ليس قوله: (أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ) في هذه الأمة بموجود، فإن المسخ فيها مأمون، وإنما المراد به: معنى الحمار من قلة البصيرة وكثرة العناد، فإن مِن شأنه إذا قِيدَ حَرَن وإذا حُبِسَ طَعَن، لا يطيع قائداً ولا يُعِين حَابساً. انتهى.

فإن قلتَ: ما السر في تشبيهه بالحمار؟ ولم يقل بالجمل لأن فيه مِن الجلادة أكثر ما في الحمار. قلتُ: لأن الحمار من شأنه أن يضع رأسه على الأرضِ يشَمُّ البول ويتنشقه رافعاً رأسه، فإذا ضُرِب ليدع رفع رأسه يعصي ويرفعها مرَّةً بعد مرة. انتهى.

قال العيني: قولهم: إن المسخ لا يجوز في هذه الأمة، وإن المسخ فيها مأمون، نظر، وقد روي وقوع ذلك في آخر الزمان عن جماعة من الصحابة، فرواه الترمذي من حديث عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يكون في آخر هذه الأمة خسف ومسخ وقذف...)) الحديث، وروي أيضا عن علي رضي الله عنه وأبي هريرة وعمرو بن حصين، وروى ابن ماجه من حديث ابن مسعود وابن عمر وعبد الله بن عمرو وسهل بن سعد، وروى أحمد والطبراني من حديث عبادة بن الصامت وابنِ عباس، وروى أبو يعلى والبزار من حديث أنس وروى الطبراني أيضاً من حديث عبد الله بن بسر وسعيد بن أبي راشد، وروى الطبراني أيضاً من حديث أبي سعيد الخدري وابن عباس أيضاً، ولكن أسانيدها لا تخلو من مقال. قال العيني: وإن سلمنا ذلك فلِمَ لا يجوز أن يؤخَّر العقابُ إلى وقت يريده الله تعالى؟ كما وقفنا في بعض الكتب وسمعنا من الثقات أن جماعة من الشيعة الذين يسبون الصحابةَ قد تحولت صورتهم إلى صورةِ حمار وخنزير عند موتهم، وكذلك جَرى على من عق والديه، وخاطبهم باسم الحمار أو الخنزير أو الكلب. انتهى.

قلت: فمن ذلك ما أخبر به جماعةٌ من المشايخِ

<<  <   >  >>