للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَعَ ثوبُه عليَّ وهو يصلِّي))، وأخرجه أبو داود ولفظه: ((كانَ رسولُ اللهُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يصلِّي وأنا حِذاءَه وأنا حائض، وربَّما أصابني ثوبُه إذا سجد، وكان يصلِّي على الخمرةِ)).

قوله: (مُصَلَّى رَسُوْلِ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) -بفتح اللَّام- وهو الموضع الذي كان يصلِّي فيه عليه السَّلام في بيته، وهو مسجده الذي عيَّنه للصلاة فيه، و (الخُمْرَةُ) -بضمِّ الخاء المعجمة- حصير صغير يُعمل من سَعَفِ النَّخل وينسج بالسيور والخيوط، وهي على قدر ما يوضع عليه الوجه والأنف، فإذا كبرت عن ذلك تسمَّى حَصِيرًا. قلت: وفيها خلاف تقدَّم في باب الصَّلاة على الخمرة. انتهى.

وقال الطَّحاوي: فقد تواترت هذه الآثار عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بما يدلُّ على أنَّ بني آدم لا يقطعون الصَّلاة، وقد جُعل كلُّ مارٍّ بين يدي المصلِّي في حديث ابن عُمَر وأبي سعيد شيطانًا، وأخبر أبو ذرٍّ: أنَّ الكلب الأسود إنَّما يقطع الصَّلاة لأنَّه شيطان، فكانت العلَّة الَّتي جُعلت لقطع الصَّلاة قد جُعلت في بني آدم أيضًا، وقد ثبت عن النَّبِيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم: أنَّهم لا يقطعون الصَّلاة، فدلَّ على أنَّ كلَّ مارٍّ بين يدي المصلِّي مما سوى بني آدم كذلك أيضًا لا يقطع الصَّلاة، والدليل على صحَّة ما ذكرنا: أنَّ ابن عُمَر مع روايته ما ذكرنا عنه قد رُوي عنه قوله من بعده ما حدَّثنا يُونُس قال: حدَّثنا سُفْيان عن الزُّهْري عن سالم قال: قيل لابن عُمَر: إنَّ عبد الله بن عيَّاش بن أبي ربيعة يقول: يقطع الصَّلاة الكلب والحمار، فقال ابن عمر: لا يقطع صلاة المسلم شيء. فقد دلَّ هذا على ثبوت نسخ ما كان سمعه من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، حتَّى صار ما قال به أولى عنده من ذلك. انتهى. قال شيخنا: وتُعقِّب كلام الطَّحاوي بأنَّ النَّسخ لا يُصار إليه إلَّا إذا علم التَّاريخ وتعذَّر الجمع، والتَّاريخ هنا لم يتحقق والجمع (١) لم يتعذَّر، قال العَيني: لا نسلِّم ذلك؛ لأنَّ مثل ابن عُمَر رضي الله عنهما بعدما روي عنه أنَّ المرور يقطع قال: لا يقطع صلاة المسلم شيء، فلو لم يثبت عنده نسخ ذلك لم يقل بما قال من عدم القطع، ومن الدليل على ذلك: أنَّ ابن عياش الذي هو (٢) أحد رواة القطع روي عنه أنَّه حمله على الكراهة، قال البَيْهَقي: روى سماك عن عكرمة، قيل لابن عياش: أيقطع الصَّلاة المرأةُ والكلبُ والحمارُ؟ فقال: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالعَمَلُ الصَّالحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: ١٠] فما يقطع هذا ولكن يكره. وقال الطَّحاوي: وقد رُوي عن نفر من أصحاب رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: أنَّ مرور بني آدم وغيرهم بين يدي المصلِّي لا يقطع الصَّلاة، ثمَّ أخرج عن سعيد بن المُسَيَّب بإسناد صحيح: أنَّ عليًا وعثمان قالا: ((لا يقطع صلاة المسلم شيء، وادرؤوا ما استطعتم))، وأخرجه أيضًا ابن أبي شَيْبَة في «مصنَّفه» عن ابن المُسَيَّب عن علي وعُثْمان قالا: ((لا يقطعُ الصَّلاةَ شيءٌ، فادرؤوهم عنكم ما استطعتم) وأخرج الطَّحاوي عن كعب بن عبد الله عن حُذَيفة بن اليمان يقول: ((لا يقطع الصَّلاة شيء))، وأخرجه ابن أبي شَيْبَة


(١) والجمع: ليس في الأصل، وإنما أثبتت لاستقامة السياق.
(٢) هو: ليس في الأصل، وإنما أثبتت لاستقامة السياق.

<<  <   >  >>