أيضًا، وأخرج الطَّبَرَاني من حديث علي رضي الله عنه مرفوعًا:((لا يقطع الصَّلاة شيء إلَّا الحدث)).
وقال الكِرْماني: القائلون بقطع الصَّلاة بمرورهم من أين قالوا به؟ قلت: باجتهادهم، ولفظ:(شَبَّهْتُمُوْنَا) يدلُّ عليه؛ إذ نسبت التشبيه إليهم، وإما بما ثبت عندهم من قول الرسول عليه السلام. قال العَيني: هذا السؤال سؤال مَن لم يقف على الأحاديث الَّتي فيها القطع، وأحد شقي الجواب غير موجَّه؛ لأنَّه لا مجال للاجتهاد عند وجود النصِّ. ثمَّ قال الكِرْماني: فإن قال الرسول به فلم لا يُحكم بالقطع؟ قلتُ: إما لأنَّها رجحت خبرها على خبرهم من جهة إنَّها صاحبة الواقعة، أو من جهة أخرى، أو إنَّها أوَّلت القطع بقطع الخشوع ومواطأة القلب اللسان في التلاوة، لا قطع أصل الصَّلاة، أو جعلت حديثها وحديث ابن عبَّاس من مرور الحمار والأتان ناسِخَين له، وكذا حديث أبي سعيد الخُدْري حيث قال:(فَلْيَدْفَعْهُ) و (فَلْيُقَاتِلْهُ) من غير حكم بانقطاع الصَّلاة بذلك. فإن قلت: لِمَ لَمْ يعكس بأن يجعل الأحاديث الثلاثة منسوخة به؟ قلت: للاحتراز عن كثرة النسخ؛ إذ نسخ حديث واحد أهون من نسخ ثلاثة، أو لأنَّها كانت عارفة بالتاريخ وتأخُّرها عنه. انتهى.
قال شيخنا: ومال الشَّافعي رضي الله عنه وغيرُه إلى تأويل القطع في حديث أبي ذرٍّ؛ فإن المراد به: نقص الخشوع لا الخروج من الصَّلاة، ويؤيِّد ذلك: أنَّ الصحابي راوي الحديث سأل عن الحكمة في التقييد بالأسود، فأجيب: بأنه شيطان، وقد عُلم أنَّ الشَّيطان لو مرَّ بين يدي المصلِّي لم تفسد صلاته كما سيأتي في «الصحيح» : (إذا ثُوِّب بالصلاة أدبرَ الشيطان، فإذا قُضي التثويبُ أقبلَ حتَّى يخطُر بينَ المرء ونفسِه) الحديث، وسيأتي في باب العمل في الصَّلاة حديثُ:(إنَّ الشَّيطان عَرَض لي فشدَّ عليَّ) الحديث، وللنَّسائي من حديث عائشة:((فأخذتُه فصرعتُه فخنقتُه)) ولا يقال: قد ذُكر في هذا الحديث: إنَّه جاء ليقطع صلاته؛ لأنّا نقول: قد بين في رواية مسلم سبب القطع، وهو إنَّه جاء بشهاب من نار ليجعله في وجهه، وأما سجود المرور فقد حصل ولم تفسد به الصلاة. وقال بعضهم: حديث أبي ذرٍّ مقدَّم؛ لأنَّ حديث عائشة على أصل الإباحة. انتهى. وهو مبني على أنهما متعارضان، ومع إمكان الجمع المذكور لا تعارض.
وقال أحمد: يقطع الصَّلاة الكلب الأسود، وفي النَّفس من المرأة والحمار شيءٌ. ووجَّه ابن دقيق العيد وغيرُه بأنه لم يجد في الكلب الأسود ما يعارضه، ووجد في الحمار حديثَ ابن عبَّاس، يعني الذي تقدَّم في مروره وهو راكب بمنى، ووجد في المرأة حديث عائشة، يعني حديث الباب، وسيأتي الكلام في دلالته على ذلك بعدُ. قال: واستدلَّ بقول عائشة: (فأكرَهُ أنْ أجلِسَ فَأُوذي النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم) على أنَّ التشويش بالمرأة وهي قاعدة يحصل منه ما لا يحصل