للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وإليه ذهب الثوري والأوزاعي وأحمد وإسحاق ومحمد بن عبد الحكم، وكرهها عمر بن عبد العزيز ومجاهد ومالك إذا كان زانياً.

وقال صاحب «التوضيح» أي ابنُ الملقِّن: ولا يُكره إمامتُه عندنا خلافاً للشيخ أبي حامد والعَبدَوي، وقال الشافعي: وأكره أن يُنصَّب من لا يُعرف أبوهُ إماماً، وتابعَه (١) البَندَنيجي، وغيرُه صرَّح بعدمها، وقال ابن حزم: الأعمى والخَصِيُّ والعبدُ وولد الزنا وأضدادُهم والقُرَشِيُّ سواء، لا تفاضل بينهم إلا بالقراءة. قال العيني: وقال الحنفية: تكره إمامة العبد وولدِ الزنا لأنه يُستخَفُّ به، فإن تقدَّمَا جازت الصلاة.

قوله: (وَالأَعْرَابِيِّ) بالجر عطفٌ على ولد البَغِيِّ، وهو بفتح الهمزة، نُسِبَ إلى الجمع لأنه صار عَلَماً لهم، فهو في حكم المفرَد، والأعراب سكان البادية من العرب. وقال صاحب «المنتهى» : خاصةً والجمع أعاريب، وليس الأعراب جمعاً للعرب، كما أن الأنباط جمعٌ للنبط، وذكر بعضُهم أن الأعراب جمع عربٍ مثلَ: غَنَمٍ وأغنامٍ، وإنما سُموا أعراباً لأنهم عَرَب تجمعت من ههنا وههنا.

قال شيخنا: وإلى صحة إمامته ذهب الجمهور أيضاً، وخالف في ذلك مالكٌ، وعلته عندَه غلبةُ الجهل على سكان البوادي، وقيل لأنهم يُديمون نقصَ السنن وترك حضورِ الجماعة غالباً. انتهى. وقال العيني: وأجاز أبو حنيفة إمامته مع الكراهة لغَلَبةِ الجهل عليه، وبه قال الثوري وإسحاق وغيرُهما، وصلى ابن مسعود خلف أعرابي. ولم ير بها بأساً إبراهيمُ والحسن وسالم. وفي الدارقطني من حديث مجاهد عن ابن عباس مرفوعاً: ((لا يتقدم الصفَّ الأولَ أعرابيٌّ ولا عَجَميٌّ ولا غلامٌ لم يحتلم)).

قوله: (وَلَا غُلَامٍ الَّذِي لَمْ يَحْتَلِمْ) بالجر أيضاً عطفٌ على ما قبله، وظاهره مطلَقٌ يتناول المراهِقَ وغيرَه، ولكن يخرج منه مَن كان دون سن التمييز بدليل آخر. ولعل المصنفَ راعَى اللفظ الوارد في النهي عن ذلك وهو فيما رواه عبد الرزاق من حديث بن عباس مرفوعاً: ((لا يؤُمُّ الغلامُ حتى يَحتلم)). قال شيخنا: وإسناده ضعيف، وقد أخرج (٢) المصنفُ في غزوة الفتح حديث عمرو بن سلِمة - بكسر اللام -: أنه كان يؤم قومه وهو ابنُ سبع سنين. وقيل: إنما لم يَستدلَّ به هنا لأنَّ أحمد بن حنبل توقف فيه، فقيل: لأنه ليس فيه اطلاعُ النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك، وقيل: لاحتمال أن يكون أراد أنه كان يؤمُّهم في النافلة دون الفريضة.

وأجيب عن الأول: بأنَّ زمان نزول الوحي لا يقع فيه لأحدٍ من الصحابة التقريرُ على ما لا يجوز فعله، ولهذا استدل أبو سعيدٍ وجابر على جواز العزل: بأنهم كانوا يعزلون والقرآن ينزل. كما سيأتي في موضعه. وأيضاً: فالوفد الذين قَدَّموا عمرو بن سلمة كانوا جماعةً من الصحابة، وقد نقل ابن حزم أنه لا يُعلم لهم في ذلك مخالفٌ منهم.

وعن الثاني: بأن سِياق رواية المصنف تدل على أنه كان يؤمُّهم في الفرائض لقوله فيه (صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا، فِي حِينِ كَذَا صَلُّوا صَلَاةَ كَذَا، فِي حِينِ كَذَا، فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ...) الحديثُ. وفي روايةٍ أبي داود قال عمرو: فما شهدت مشهداً في جِرْمَ إلا كنت إمامَهم، وهذا يعُمُّ الفرائض والنوافل، واحتج ابن حزم على عدم الصحة بأنه صلى الله عليه وسلم أمر أن يؤمَّهم أقرؤهم، قال: فعلى هذا إنما يَؤُمُّ


(١) في (الأصل) : ((وتاتبعه))، والصواب: ((وتابعه)).
(٢) في (الأصل) : بياض بمقدار كلمة بعد قوله: ((وقد)) والاستدراك من فتح الباري.

<<  <   >  >>