للترجمة في قوله (وَيُصَلِّي لَنَا إِمَامُ فِتْنَةٍ...) إلى آخره. هذا الأثر وصله الإسماعيلي، قال: حدثنا عبد الله بن يحيى السرخسي حدثنا محمد بن يحيى حدثنا محمد بن يوسف حدثنا الأوزاعي حدثنا الزهري فذكره، وقال أيضاً: أخبرنا إبراهيم بن هانئ حدثنا الزيادي حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عنبسة حدثنا يونس عن ابن شهاب عن عروة عن عبيد الله بن عدي به، ومن طريق هِقْلِ بن زياد سمعت الأوزاعي عن الزهري حدثني حميد، ومن طريق عيسى عن الأوزاعي عن الزهري عن حميد حدثني عبيد الله بن عدي، ورواه أبو نعيم الأصبهاني من طريق الحسن بن سفيان عن حبان عن عبد الله بن المبارك أخبرنا الأوزاعي فذكره. قال شيخنا: وأخرجه الإسماعيلي من طرق عن الأوزاعي وخالفه يونس بن يزيد فقال عن الزهري عن عروة أخرجه الإسماعيلي أيضاً، وكذلك رواه معمر عن الزهري أخرجه عمر بن شَبَّة في كتاب «مقتل عثمان» عن غندر عنه ويحتمل أن يكون للزهري فيه شيخان. انتهى.
قوله:(وَهُوَ مَحْصُورٌ) جملةٌ اسمية وقعت حالاً على الأصل بالواو، أي محبوسٌ في الدار ممنوع عن الأمور.
قوله:(إِمَامُ عَامَّةٍ) بالإضافة، أي إمامُ جماعةٍ، وفي رواية يونس: وأنت الإمام، أي الإمام الأعظم.
قوله:(وَنَزَلَ بِكَ مَا نَرَى) بنون المتكلم ويروى: (مَا تَرَى)، بتاء المخاطب، أي من الحصار وخروج الخوارج عليك.
قوله:(وَيُصَلِّي لَنَا) أي يؤمُّنا.
قوله:(إِمَامُ فِتْنَةٍ) أي رئيسُ فتنة، واختُلِف في المشار إليه بذلك فقيل: هو عبد الرحمن بن عُدَيْس البَلَوِي أحد رؤوس المصريين الذين حصروا عثمان، وهو الذي جلب على عثمان أهل مصر. قاله ابن وضاح فيما نقله عنه ابن عبد البر وغيرُه، وقاله ابن الجوزي وزاد: أن كِنانة بن بِشر أحد رؤوسهم صلى بالناس أيضاً. قال شيخنا: وهو المراد هنا، فإن سيف بن عمر روى حديث الباب في كتاب «الفتوح» من طريق أخرى عن الزهري بسنده فقال فيه: دخلتُ على عثمان وهو محصور وكِنانة يصلي بالناس، فقلت: كيف ترى... الحديث. انتهى.
وكان هؤلاء لما هجَموا على المدينة كان عثمانُ يخرج فيصلي بالناس شهراً، ثم خرج يوماً فحصبوه حتى وقع على المنبر ولم يستطع الصلاة يومئذ فصلى بهم أبو أمامة بن سهل بن حنيف الأنصاري لكن بإذن عثمان، رواه عمر بن شَبَّة بسند صحيح، ورواه المدائني من طريق أبي هريرة: فمنعوه فصلى بهم عبد الرحمن بن عُدَيس تارة وابن بشر تارة فبقيَا على ذلك عشرة أيام. قال شيخنا: وكذلك صلى بهم علي بن أبي طالب فيما رواه إسماعيل الخطبي في «تاريخ بغداد» من رواية ثعلبة بن يزيد الحماني قال: فلمَّا كان يومُ عيد الأضحى جاء عليٌّ فصلى بالناس. وقال ابنُ المبارك فيما رواه الحسن الحلواني: لم يصلِّ بهم غيرَها، وفعل ذلك عليٌّ لئلا تُضاع السنة، وقال غيره: صلى بهم عدة صلوات، وصلى بهم أيضاً سهل بن حنيف. رواه عمر بن شَبَّة بإسناد قوي. وقيل: صلى بهم أيضاً أبو أيوب الأنصاري وطلحة بن عبيد الله.
فإن قلتَ: فكيف يقال في حق هؤلاء: (إِمَامُ فِتْنَةٍ)؟ أجيب: ليس واحدٌ من هؤلاء مراداً بقوله: (إِمَامُ فِتْنَةٍ)، دل على ذلك تفسير الداودي، فإنه قال: معنى قوله: (إِمَامُ فِتْنَةٍ) أي إمامٌ وقتَ فتنة، وعلى هذا لا اختصاص له بالخارجي، قال: ويدل على صحة ذلك أن عثمان لم يَذكُر الذي أَمَّهُم بمكروه، بل ذكر أن فِعْلَه أحسنُ الأعمال. انتهى. قال شيخنا: وهذا مغاير لمراد المصنف في ترجمته، ولو كان كما قال لم يكن قوله:(وَنَتَحَرَّجُ) مناسباً.