للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

انتهى. قلت: قد تقدم آنفاً أن عَدِي بن الخِيَار سأل عثمان حال صلاة كنانة بن بشر بالناس، فهذا يحُمل أن سؤاله خاصٌ بالخارجي، ويحتمل أن يكون سؤاله عاماً ليعلمَ الحالَ في ذلك. انتهى. قال العيني: أو نقول: إنهم استأذنوه في الصلاة فأذِن لهم لعلمه أن المصريين لا يَصِلون إليهم بِشَرٍّ.

قوله: (وَنَتَحَرَّجُ) بالحاء المهملة وبالجيم، من التَّحَرُّج، أي نخاف الوقوع في الإثم، وأصل الحرجِ الضيقُ ثم استُعمِل للإثم لأنه يُضيِّق على صاحبه، وفي رواية ابن المبارك: وإنَّا لنتحرج من الصلاة معهم. وهذا القول ينصرف إلى صلاة من صلى من رؤساء الخوارج في وقت الفتنة، ولا يدخل فيه مَن ذكرناهم من الصحابة.

قوله: (فَقَالَ: الصَّلَاةُ أَحْسَنُ) أي فقال عثمان: (الصَّلَاةُ أَحْسَنُ). فقوله: (الصَّلَاةُ) مبتدأ. وقوله: (أَحْسَنُ) مضافٌ إلى ما بعدَه خبرُهُ. وفي رواية ابن المبارك: إن الصلاة أحسن. وفي رواية هِقْل بن زياد عن الأوزاعي عند الإسماعيلي: الصلاةُ مِن أحسن ما يعمل الناس. فإن قلتَ: هذا يدل على أن عثمان لم يَذكر الذي أَمَّهُم من رؤساء الخوارج بمكروهٍ وتفسيرُ الداودي على هذا لا اختصاص له بالخوارج كما ذكرنا هذا عن قريب. قال العيني: لا يلزم من كون الصلاة أحسنُ ما يعملُ الناسُ أو مِن أحسنِ ما يعمل الناس أنْ لا يستحقَّ فاعلُها ذَمَّاً عند وجود ما يقتضيه.

قوله: (فَإِذَا أَحْسَنَ النَّاسُ، فَأَحْسِنْ مَعَهُمْ) ظاهرُه أن عثمان رخَّص له في الصلاة معهم كأنه يقول: لا يضرك كونه مفتوناً بل إذا أحسن فوافقه على إحسانه واترك ما افتُتِن به، وبهذا توجد المطابقة بينه وبين الترجمة.

وقال ابن المنير: يحتمل أن يكون رأى أن الصلاة خلفه لا تصحُّ فحاد عن الجوابِ بقوله: (الصَّلَاةُ أَحْسَنُ مَا يَعْمَلُ النَّاسُ) لأن التي هي أحسن هي الصلاة الصحيحةُ وصلاة الخارجي غير صحيحة، لأنه إما كافرٌ أو فاسق. انتهى. قال شيخنا: وهذا قاله نُصرَةً لمذهبه في عدم صحة الصلاة خلف الفاسق، وفيه نظرٌ، لأن سيف بن عمر روى في «الفتوح» عن سهل بن يوسف الأنصاري عن أبيه قال: كَرِهَ الناسُ الصلاةَ خلف الذين حصروا عثمان إلا عثمان فإنه قال: من دعا إلى الصلاة فأجيبوه. وهذا صريحٌ مِن أن المقصود بقوله: (الصَّلَاةُ أَحْسَنُ) الإشارةُ إلى الإذن بالصلاة خلفَه. وفيه تأييد لما فهمه البخاري من قوله: (إِمَامُ فِتْنَةٍ). وروى سعيد بن منصور من طريق مكحول قال: قالوا لعثمان: إنا لَنَتَحرَّج أن نصليَ خلف هؤلاء الذين حصروك، فذكر نحو رواية الزهري وهذا منقطع إلا أنه اعتضَد.

قوله: (وَإِذَا أَسَاءُوا فَاجْتَنِبْ إِسَاءَتَهُمْ) فيه تحذيرٌ من الفتنة والدخولِ فيها ومِن جميع ما يُنكَر من قولٍ أو فعلٍ أو اعتقادٍ. وفيه: أن الصلاة خلف من تُكره الصلاة خلفه أولى من تعطيل الجماعة. قال شيخنا: وفيه ردٌّ على من زعم أن الجمعة لا تجزئ أن تقام بغير إذن الإمام. قال العيني: ليس فيه ردٌّ بل دعوى الردِّ على ذلك مردودةٌ، لأن علياً صلى يوم عيد الأضحى الذي شرطها أن تصلى في مصلى الجمعة، فمن أين ثبت أنه صلى بغير إذن عثمان. ولذلك روي عنه أنه صلى عدة صلوات وفيها الجمعة. فمَن ادَّعى أنه صلى بغير استئذان فعليه البيان، ولئن سَلَّمنا أنه صلى بغير استئذان ولكن كان ذلك بسبب تخلف الإمام

<<  <   >  >>