عن الحضور، فإذا تعذر حضور الإمام فعلى المسلمين إقامةُ رجل منهم يقوم به، وهذا كما فعل المسلمون بمُؤتَةَ -أي بضم الميم وفتح المثناتين من فوق - لما قُتِل الأمراء اجتمعوا على خالد بن الوليد رضي الله عنه، أو نقول: إنَّ علياً لم يَتَوصَّل إليه؛ فعن هذا قال محمد بن الحسن: لو تَغلب على مصر متغلِبٌ فصلى أحدٌ بهم الجمعة جاز. ونُقل ذلك عن الحسن البصري. وكان علي رضي الله عنه أولى بذلك لأن الصحابة رضُوا به وصلَّوا وراءه وسواءٌ كان بإذن أو لا بإذن.
ثم قال العيني أيضاً: ولا نرى جوازها بغير إذن الإمام وكيف وقد روى ابن ماجه عن جابر بن عبد الله قال: خَطَبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الحديثُ، وفيه:((فمن تركها - أي الجمعة -في حياتي أو بعدي وله إمام عادل أو جائرٌ استخفافاً بها وجحوداً لها فلا جمع الله شملَه ولا بارك له في أمرِه، أَلَا ولا صلاة له ولا زكاة له ولا حجَّ له ولا صومَ له ولا بِرَّ له حتى يتوب)). ومن هذا أخذ الحنفية، وقالوا: لا يجوز إقامتها إلا للسلطان وهو الإمام الأعظم أو لمن أمره كالنائب والقاضي والخطيب. قال العيني: فإن قلت: هذا الحديث ضعيفٌ وفي سنده عبد الله بن محمد وهو مُتكلَّمٌ فيه. قلتُ: هذا روي من طرق كثيرة ووجوه مختلفة، فحصل له بذلك قوةٌ فلا يُمنع من الاحتجاج به.
وأما الصلاة خلف الخوارج وأهل البدع فاختلف العلماء فيه، فأجازت طائفة منهم: ابنُ عمر إذْ صلَّى خلف الحَجاج، وكذلك ابن أبي ليلى وسعيد بن جبير ثم خرجا عليه. وقال النخَعيُّ: كانوا يصلون وراء الأمراء ما كانوا. وكان أبو وائل يُجَمِّعُ مع المختارِ بن عبيد. وسُئل ميمون بن مِهران عن الصلاة خلف رجلٍ يُذكَر أنه من الخوارج فقال: أنت لا تصلي له إنما تصلي لله عز وجل وقد كنا نصلي خلف الحجاج حَرُورِياً أَزْرقيًّا. وروى أشهب عن مالك: لا أحب الصلاة خلف الإباضية والواصلية ولا السكنى معهم في بلدٍ. وقال ابن القاسم: أرى الإعادة في الوقت على من صلى خلف أهل البدع. وقال أصبغ: يعيد أبداً. وقال الثوري في القدريِّ: لا تُقدِّموه.
وقال أحمد بن حنبل: لا يُصلَّى خلف أحد من أهل الأهواء إذا كان داعيًا إلى هواه، ومن صلى خلف الجهمي والرافضي والقدري يعيد. وقال الحنفية: تُكره الصلاة خلف صاحب هوىً وبدعةٍ، ولا تجوز خلف الرافضي والقدريِّ والجهميِّ لأنهم يعتقدون أن الله تعالى لا يعلم الشيء قبل حدوثه وهو كفر، والمشَبِّهةُ ومَن يقول بخلق القرآن. وكان أبو حنيفة لا يرى الصلاة خلف المبتدع. ومثلُه عن أبي يوسف. وأما الفاسق بجوارحه كالزاني وشارب الخمر فزعم ابن حبيبٍ أن من صلى خلف من شرب الخمر يعيد أبداً إلا أن يكون والياً. وقيل في رواية: يصح. وفي «المحيط» : لو صلى خلف فاسقٍ أو مبتدعٍ يكون مُحرِزاً ثواب الجماعةِ ولا ينال ثوابَ مَن صلى خلف الْمُتَّقِي. وفي «المبسوط» : يكره الاقتداء بصاحب البدعة.
قوله:(وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ) أي بضم الزاي وفتح الباء الموحدةِ وسكون الياء آخر الحروفِ وبالدال المكسورة، وهو نسبة إلى زُبيد وهو بطن في مُذحِجٍ وفي الأزدِ وفي خَوْلان القُضاعِية. وهو صاحب الزهري، واسمه محمد بن الوليد أبو الهذيل الشَّاميُّ الحمصيُّ. قال ابن سعد: مات سنة ثمانٍ وأربعين ومئة وهو ابن سبعين سنة. قلت: قد تقدمت ترجمته في باب