فَصِيحَ بأصحابِه: الصَّلاة جامعَة، فاجتمعُوا فصلَّى بهِ جبريلُ، وصلَّى النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم بالناسِ)) فذكر الحديث، وفيه ردٌّ على من زَعَمَ أنَّ بيانَ الأوقات إنَّما وَقَعَ بعد الهجرة، والحقُّ: أنَّ ذلك وَقَعَ قبلها ببيان جبريل، وبعدها ببيان النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم. انتهى.
قلت: اليوم الذي يسفر عن ليلتها، ورُدَّ: أنَّ الإسراء كان ليلة الجمعة، وكأنَّ بعضهم يقول: ليلة السَّبت، قال ابن دِحْيَة: وهذا نقلٌ مَحضٌ يُطلب فيه الصِّحَّة، ثمَّ قال: يكون إن شاء الله تعالى يوم الاثنين. وذكر الدَّليل على ذلك بمقدمات حساب من تاريخ الهجرة، وحاصل الأمر: إنَّه استنبط وحاول موافقةَ كون المولد الشريف يوم الاثنين، وكون المبعث يوم الاثنين، وكون المعراج يوم الاثنين، وكون الهجرة يوم الاثنين، وكون الوفاة يوم الاثنين، قال: فإن هذه أطوارُ الانتقالاتِ النبوية وجودًا ونبوَّةً وهجرةً ومعراجًا ووفاةً، فيكون يوم الاثنين في حقِّه عليه السَّلام كيوم الجمعة في حقِّ آدم عليه السلام، فيه خُلق وفيه تِيب عليه وفيه مات عليه السلام. انتهى. ذكره في كتاب «الابتهاج».
قوله:(فَصَلَّى فَصَلَّى رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) قال العَيني: الكلام هنا في موضعين؛ أحدهما: في كلمة (ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى)، والآخر: في كلمة الفاء، أما الأوَّل فقد قال الكِرْماني: فإن قلت: لِمَ قال في صلاة جبريل: (ثُمَّ صَلَّى) بلفظ (ثم)، وفي صلاة الرَّسول:(فَصَلَّى) بالفاء، قلت: لأنَّ صلاة الرسول كانت متعقبة لصلاة جبريل عليه السَّلام بخلاف صلاته؛ فإن بينَ كلِّ صلاتين زمانًا، فناسب كلمة التراخي. انتهى. قلت: وقد علمت مما قاله الكِرْماني: إنَّه ليس بين نزوله وصلاته تراخي؛ لأنَّه قال:(فَصَلَّى فَصَلَّى رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم). انتهى.
وأما الثَّاني فقد قال عياض: ظاهره أنَّ صلاته كانت بعد فراغ صلاة جبريل، لكن المنصوص في غيره: أنَّ جبريل أَمَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم، فيحمل قوله:(فَصَلَّى فَصَلَّى) على أنَّ جبريل كان كلما فعل جزءًا من الصَّلاة تابعه النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم بفعله. وقال النَّوَوي:(صَلَّى فَصَلَّى) مكرِّرًا خَمْس هكذا خمس مرات، معناه: إنَّه كلما فعل جزءًا من أجزاء الصَّلاة فعله النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم حتَّى تكاملت صلاتهما. انتهى.
قال العَيني: مبنى كلام عياض على أنَّ الفاء في الأصل للتعقيب، فيدلُّ على أنَّ صلاة النَّبِيِّ عليه السَّلام كانت عُقيب فراغ جبريل من صلاته، وحاصل جوابه: إنَّه جعل الفاء على أصله، وأوَّله بالتأويل المذكور، وبعضهم ذهب إلى أنَّ الفاء هنا بمعنى الواو؛ لأنَّه عليه الصَّلاة والسلام إذا ائتم بجبريل يجب أن يكون مصلِّيًا معه لا بعده، وإذا حملت الفاء على حقيقتها وجب ألَّا يكون مصلِّيًا معه، واعترض عليه بأن الفاء إذا كان بمعنى الواو يحتمل أن يكون النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم صلَّى قبل جبريل؛ لأن الواو لمطلق الجمع، والفاء لا تحتمل ذلك، قلت: مجيء الفاء بمعنى الواو لا يُنكر كما في قوله:
* بين الدخول فحَوْمل
فإن الفاء فيه بمعنى الواو، والاحتمال الذي ذكره المعترض يدفع بأن جبريل عليه السَّلام هنا مبيِّن لهيئة الصَّلاة