دخل في المساء، قال شيخنا: وأظهر إذا دخل في الظَّهيرة، ومثله في المكان: أنجد إذا دخل نجدًا، وأَتْهَم إذا دخل تِهامة. انتهى.
وقال الخطَّابيُّ: الإبراد: انكسار شدَّة حرِّ الظَّهيرة، وذلك أنَّ فتور حرِّها بالإضافة إلى وقت الهاجرة بردٌ، وليس ذلك بأن يؤخِّر إلى آخر بردَي النَّهار وهو برد العشي؛ إذ فيه الخروج عن قول الأئمَّة.
قوله: (بِالصَّلَاةِ) وفي حديث أبي ذرٍّ الذي يأتي بعد هذا الحديثُ عن الصلاة، والفرق بينهما: أنَّ الباء هو الأصل، وأما (عَنْ) ففيه تضمين معنى التأخير، أي تأخَّروا عنها مبرِّدين، وقيل: هما بمعنى واحد؛ لأن عَنْ تأتي بمعنى الباء كما يقال: رميت عن القوس، أي بالقوس، وقيل: الباء زائدة، والمعنى: أبردوا الصَّلاة.
وقوله: (بِالصَّلَاةِ) بالباء هو رواية الأكثرين، وفي رواية الكُشْمِيهَني: <عَنِ الصَّلَاةِ> كما في حديث أبي ذرٍّ، وقال شيخنا: قوله: (بِالصَّلَاةِ) الباء للتعدية، وقيل: زائدة، ومعنى (أَبْرِدُوا) : أخِّروا، على سبيل التضمين، أي أخَّروا الصلاة.
قال العَيني: قوله: للتعدية غيرُ صحيح؛ لأنَّه لا يجمع في تعدية اللازم بين الهمزة والباء، فافهم، وقوله: على سبيل التَّضمين أيضًا غير صحيح؛ لأنَّ معنى التَّضمين في رواية (عَنْ) كما ذكرنا، لا في رواية الباء، فافهم، وقد ذكرنا: أنَّ المراد من الصَّلاة هي صلاة الظُّهر. انتهى.
قلت: ما قاله شيخنا صحيح يشهد له قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: ١] فإن قلت: قال العلماء باللَّغة: إنَّ سرى وأسرى بمعنىً واحد، أقول: قال صاحب المفردات: وقيل: أسرى ليست من لفظة سَرَى، إنَّما هي من السَّراة وهو أرض واسعة، فقوله: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء: ١] أي ذهب به في سَراةٍ من الأرض، وقوله: على سبيل التَّضمين، لم يقل فيه على رواية الباجي يُعترض بهذا. انتهى.
قوله: (فَإِنَّ شِدَّةَ الحَرِّ) الفاء فيه للتعليل، أراد أنَّ علَّة الأمر بالإبراد هي شدَّة الحرِّ، واختلف في حكمة هذا التأخير، فقيل: دفع المشقَّة لكون شدَّة الحرِّ مما يذهب الخشوع، وقيل: لأنَّه وقت تسجر فيه جهنَّم كما روى مسلم من حديث عَمْرو بن عَبَسَةَ حيث قال له عليه السلام: ((اقصرْ عنِ الصَّلاة عندَ استواءِ الشَّمسِ؛ فإنَّها ساعةٌ تسجرُ فيها جهنَّمُ)). انتهى. فهذه الحالة ينتشر فيها العذاب.
فإن قلت: الصَّلاة سبب الرحمة، وإقامتها مظنَّة دفع العذاب، فكيف أمر عليه السَّلام بتركها في هذه الحالة؟ أجيب عنه بجوابين، أحدهما قاله اليعمري: بأن التعليل إذا جاء من جهة الشَّارع وجب قبوله وإن لم يفهم معناه، والآخر من جهة أهل الحكمة، وهو استنباط ابن المنيِّر، وهو أنَّ هذا الوقت وقت ظهور الغضب، فلا ينجع فيه الطلب إلَّا ممن أُذن له في ذلك كما في حديث الشَّفاعة، حيث اعتذر الأنبياء كلُّهم للأمم بذلك سوى رسول الله صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّم؛ فإنَّه أُذن له في ذلك.
قلت: في تعليل أهل الحكمة هذا نظر؛ فإنَّه عليه السَّلام قال في الكسوف: ((إنَّ اللهَ يُخَوْفُ بِهِ عِبَادَهُ))، وقال: ((إِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَافزَعُوا إلى الصَّلَاةِ))، والذي يظهر أنَّ تعليله بذلك إرشادٌ إلى تحقيق المشقَّة، قال شيخنا: ويمكن أن يقال: سَجْر جهنَّم سبب فتحها، وفتحُها سبب وجود شدَّة الحرِّ،