وهو مظنَّة المشقَّة الَّتي هي مظنَّة سلب الخشوع فناسب ألَّا يُصلَّى فيها، لكن يردُّ عليه أنَّ سجرها مستمرٌّ في جميع السنة، والإبراد مختصٌّ بشدَّة الحرِّ فيها متغايران، فحكمة الإبراد دفع المشقَّة، وحكمة الترك وقت سَجْرها لكونه وقت ظهور أثر الغضب، والله أعلم. انتهى.
قوله:(مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) -بفتح الفاء وسكون الياء آخر الحروف وفي آخره حاء مهملة- وهو سطوع الحرِّ وفورانه، وقال شيخنا: فيح جهنم سِعَة انتشارها وتنفُّسها، ومنه: مكان أفيح، أي متسع، وهذا كناية عن شدِّة استعارها. انتهى. ويقال بالواو: فَوَح، وفاحت القدرة تفوح إذا غلت، وقال ابن سيده: فاح الحرُّ يفيح فيحًا سطع وهَاجَ، قال شيخنا: وظاهره أنَّ مَثار وهج الحرِّ في الأرض من فيح جهنَّم حقيقة، وقيل: هو من مجاز التشبيه، أي كأنَّه نار جهنَّم في الحرِّ، والأوَّل أولى، ويؤيِّده الحديث الآتي:((اشتكت النَّار إلى ربِّها، فأذِّن لها بنفسين)) وسيأتي البحث فيه. انتهى.
وأما لفظ جهنَّم فقد قال قُطْرُب: زَعَمَ يُونُس إنَّه اسم أعجمي، وفي «الزاهر» لابن الأَنْباري: قال أكثر النَّحويين: هي أعجميَّة لذا لا تجري للتعريف والعجمة، وقيل: إنَّه عربي، ولم تجرِ للتعريف والتأنيث، وفي «المغيث» : هي تعريف (١) كهنَّام بالعبرانيَّة، وذكره في «الصِّحاح» في الرُّباعي ثمَّ قال: هو ملحق بالخماسي لتشديد الحرف الثالث، وفي «المحكم» : سُمِّيت جهنَّم لبعد قعرها، ولم يقولوا فيها: جهنام، ويقال: بئر جهنام بعيدة القعر، وبه سُمِّيت جهنَّم، وقال أبو عمرو: جهنام اسم وهو الغليظ البعيد القعر. انتهى.
فيه: الأمر بالإبراد في صلاة الظهر، واختلفوا في كيفيَّة هذا الأمر، فحكى القاضي عياض وغيره: أنَّ بعضهم ذهب إلى أنَّ الأمر فيه للوجوب، وقال شيخنا: وغفل الكِرْماني فنقل الإجماع على عدم الوجوب، قال العَيني: لا يقال: إنَّه غفل، بل الذين نقل عنهم فيه الإجماع كأنَّهم لم يعتبروا كلام من ادَّعى الوجوب فصار كالعدم، وأجمعوا على أنَّ الأمر للاستحباب، قال شيخنا: والأمر بالإبراد أمر استحباب، وقيل: أمر إرشاد، وقيل: بل هو للوجوب.
وقال جمهور أهل العلم: يستحبُّ تأخير الظهر في شدَّة الحرِّ إلى أن يبرد الوقت وينكسر الوهج، وخصَّه بعضهم بالجماعة، فأما المنفرد فالتعجيل في حقِّه أفضل، وهذا قول أكثر المالكيَّة والشافعي، لكن خصَّه أيضًا بالبلد الحارِّ، وقيد الجماعة بما إذا كانوا ينتابون مسجدًا من بُعد، فلو كانوا مجتمعين أو كانوا يمشون في كُنٍّ فالأفضل في حقِّهم التعجيل، والمشهور عن أحمد التسوية من غير تخصيص ولا قيد، وهو قول إِسْحاق والكوفيين وابن المنذر، واستدلَّ له التِّرْمِذي بحديث أبي ذرٍّ الآتي بعد هذا؛ لأنَّ في روايته أنَّهم كانوا في سفر، وهي رواية للمصنِّف أيضًا ستأتي قريبًا، قال: فلو كان على ما ذهب إليه الشافعي لم يأمر بالإبراد لاجتماعهم في السَّفر وكانوا لا يحتاجون إلى أن ينتابوا من البعد، قال التِّرْمِذي: والأوَّل أولى بالاتباع. وتعقَّبه الكِرْماني بأن العادة في العسكر الكثير تفرُّقهم في أطراف المنزل للتخفيف وطلب المرعى، فلا نسلِّم اجتماعهم في تلك