للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العرب تسألوني؟ خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) (١).

بين لهم أولاً: أن أكرم الخلق عند الله أتقاهم، وإن لم يكن ابن نبي ولا أبا نبي، فإبراهيم النبي -صلى الله عليه وسلم- أكرم على الله من يوسف، وإن كان أبوه آزر، وهذا أبوه يعقوب، وكذلك نوح أكرم على الله من إسرائيل، وإن كان هذا أولاده أنبياء، وهذا أولاده ليسوا بأنبياء، فلما ذكروا أنه ليس مقصودهم إلا الأنساب، قال لهم: فأكرم أهل الأنساب من انتسب إلى الأنبياء، وليس في ولد آدم مثل يوسف; فإنه نبي ابن نبي ابن نبي.

فلما أشاروا إلى أنه ليس مقصودهم إلا ما يتعلق بهم، قال: (أفعن معادن العرب تسألوني؟ الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا)، بين أن الأنساب كالمعادن، فإن الرجل يتولد منه كما يتولد من المعدن الذهب والفضة، ولا ريب أن الأرض التي تنبت الذهب أفضل من الأرض التي تنبت الفضة. فهكذا من عرف أنه يلد الأفاضل، كان أولاده أفضل ممن عرف أنه يلد المفضول.

لكن هذا سبب ومظنة وليس هو لازماً؛ فربما تعطلت أرض الذهب، وربما قل نبتها; فحينئذ تكون أرض الفضة أحب إلى الإنسان من أرض معطلة، والفضة الكثيرة أحب إليهم من ذهب قليل لا يماثلها في القدر؛ فلهذا كان أهل الأنساب الفاضلة يظن بهم الخير، ويكرمون لأجل ذلك. فإذا تحقق من أحدهم خلاف ذلك، كانت الحقيقة مقدمة على المظنة. وأما ما عند الله فلا يثبت على المظان ولا على الدلائل، إنما يثبت على ما يعلمه هو من الأعمال الصالحة، فلا يحتاج إلى دليل، ولا يجتزئ بالمظنة.

فلهذا كان أكرم الخلق عنده أتقاهم، فإذا قدر تماثل اثنين عنده في التقوى، تماثلا في الدرجة، وإن كان أبو أحدهما أو ابنه أفضل من أبي الآخر أو ابنه، لكن إن حصل له بسبب نسبه زيادة في التقوى كان أفضل لزيادة تقواه» (٢).

ثالثاً: أن تعليق الشرف في الدين بمجرد النسب؛ إنما هو حكم من أحكام الجاهلية، قال رحمه الله في رده على من علق الفضيلة بالأنساب: «إن تعليق الشرف في الدين بمجرد النسب؛ هو حكم من أحكام الجاهلية، الذين اتبعتهم عليه الرافضة وأشباههم من أهل الجهل؛ فإن الله تعالى قال: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحُجُرات:١٣]. وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي ولا لأسود على أبيض ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى الناس من آدم وآدم من تراب) (٣)،


(١) رواه البخاري كتاب: أحاديث الأنبياء. باب: قول الله تعالى: [النساء:١٢٥] برقم (٣٣٥٣)، ومسلم كتاب الفضائل. برقم (٢٣٧٨).
(٢) منهاج السنة (٨/ ٢١٤).
(٣) سبق عزوه.

<<  <   >  >>