للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال رحمه الله: «فالفضيلة بنوع لا تستلزم أن يكون صاحبها أفضل مطلقاً. ولهذا كان في الأغنياء من هو أفضل من جمهور الفقراء، وفي الفقراء من هو أفضل من جمهور الأغنياء; فإبراهيم وداود وسليمان ويوسف وأمثالهم أفضل من أكثر الفقراء، ويحيى وعيسى ونحوهما أفضل من أكثر الأغنياء.

فالاعتبار العام هو التقوى، كما قال تعالى: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحُجُرات:١٣]، فكل من كان أتقى كان أفضل مطلقاً، وإذا تساوى اثنان في التقوى استويا في الفضل، سواء كانا -أو أحدهما- غنيين أو فقيرين، أو أحدهما غنياً، والآخر فقيراً، وسواء كانا -أو أحدهما- عربيين أو أعجميين، أو قرشيين أو هاشميين، أو كان أحدهما من صنف والآخر من صنف آخر. وإن قدر أن أحدهما له من سبب الفضيلة ومظنتها ما ليس للآخر، فإذا كان ذاك قد أتى بحقيقة الفضيلة كان أفضل ممن لم يأت بحقيقتها، وإن كان أقدر على الإتيان بها، فالعالم خير من الجاهل، وإن كان الجاهل أقدر على تحصيل العلم، والبر أفضل من الفاجر، وإن كان الفاجر أقدر على البر، والمؤمن الضعيف خير من الكافر القوي، وإن كان ذاك يقدر على الإيمان أكثر من المؤمن القوي. وبهذا تزول شبه كثيرة تعرض في مثل هذه الأمور» (١).

* * *


(١) المصدر السابق (٤/ ٦٠٧ - ٦٠٨).

<<  <   >  >>