للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد بين شيخ الإسلام -رحمه الله- أن الأمور الغيبية التي يخبر بها المنجمون، ويسمونها أحكام النجوم، هي من جنس أخبار الكهان التي حكم عليها النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنها ليست بشيء (١).

ومن الأدلة التي استدل بها شيخ الإسلام -رحمه الله- على هذا حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (إذا قضى الله الأمر في السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله، كأنه سلسلة على صفوان، فإذا فزع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا للذي قال: الحق، وهو العلي الكبير، فيسمعها مسترق السمع، ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض -وصف سفيان بكفه فحرفها، وبدد بين أصابعه -فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من- تحته، حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن، فربما أدرك الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة، فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا، فيصدق بتلك الكلمة التي سمع من السماء) (٢).

وما أجمل كلام قتادة بن دعامة السدوسي (٣) -رحمه الله- عندما قال: «إن الله تعالى إنما خلق هذه النجوم لثلاث خصال: جعلها زينة للسماء، وجعلها نهتدي بها، وجعلها رجوماً للشياطين، فمن تعاطى فيها غير ذلك فقد أخطأ حظه، وقال برأيه، وأضاع نصيبه، وتكلف ما لا علم له به. وإن ناساً جهلة بأمر الله تعالى قد أحدثوا في هذه النجوم كهانة، من أعرس بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا، ومن سافر بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا، ولعمري ما من النجوم نجم إلا يولد به الطويل والقصير، والأحمر والأبيض، والحسن والذميم، قال: وما علم هذا النجم وهذه الدابة وهذا الطير بشيء من الغيب، وقضى الله أنه: {قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي


(١) انظر: الفتاوى الكبرى (١/ ٦٢).
(٢) سبق عزوه (ص:١٩٣).
(٣) هو أبو الخطاب قتادة بن دعامة السدوسي البصري، حافظ البصرة المشهور، كان عالماً مفسراً فقيهاً، ثقة ثبتاً، حجة في الحديث، توفي بواسط بالطاعون سنة (٢١٨ هـ). انظر: الطبقات الكبرى (٧/ ١٧١ - ١٧٣) سير أعلام النبلاء (٥/ ٢٦٩ - ٢٨٣).

<<  <   >  >>