للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب، المخضوع له غاية الخضوع، والعبادة تتضمن غاية الحب بغاية الذل» (١).

وقد اعتنى شيخ الإسلام -رحمه الله- ببيان توحيد الألوهية؛ لأنه التوحيد الذي خالفت فيه أكثر الطوائف، وبعثت الرسل للدعوة إليه ومحاربة ما ناقضه من الشرك والخرافات، قال رحمه الله مبيناً حقيقة التوحيد الذي جاءت به الرسل ومفهومه في الكتاب والسنة: «وذلك أن توحيد الرسل والمؤمنين هو عبادة الله وحده، فمن عبد الله وحده لم يشرك به شيئا فقد وحده، ومن عبد من دونه شيئا من الأشياء فهو مشرك به، ليس بموحد مخلص له الدين، وإن كان مع ذلك قائلاً بهذه المقالات التي زعموا أنها التوحيد» (٢)، وقال رحمه الله: «أما التوحيد الذى ذكره الله في كتابه، وأنزل به كتبه، وبعث به رسله، واتفق عليه المسلمون من كل ملة فهو كما قال الأئمة: شهادة أن لا اله الا الله، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، كما بين ذلك بقوله: {وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} [البقرة:١٦٣]، فأخبر أن الإله إله واحد، لا يجوز أن يتخذ إله غيره فلا يعبد الا إياه، كما قال في السورة الأخرى: وَقَالَ اللَّهُ لَا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} [النحل:٥١]، وقال: {لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا} [الإسراء:٢٢]- إلى قوله: {فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا} [الإسراء:٣٩]، وكما قال: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (٢) أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزُّمَر:٣]، وكما قال: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الفرقان:٦٨]، والشرك الذي ذكره الله في كتابه إنما هو عبادة غيره من المخلوقات، كعبادة الملائكة أو الكواكب أو الشمس أو القمر أو الأنبياء أو تماثيلهم، أو قبورهم، أو غيرهم من الآدميين ونحو ذلك مما هو كثير في


(١) مجموع الفتاوى (١٠/ ٢٤٩).
(٢) بيان تلبيس الجهمية (٣/ ١٣٨).

<<  <   >  >>