للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المتناقضين» (١)، وقال -رحمه لله-: «وأصل ضلال هؤلاء: أنهم لم يعرفوا مباينة الله لمخلوقاته وعلوه عليها وعلموا أنه موجود، فظنوا أن وجوده لا يخرج عن وجودها؛ بمنزلة من رأى شعاع الشمس فظن أنه الشمس نفسها (٢)» (٣).

وعلى هذا الأصل الفاسد بنوا قولهم: "أن وجود المخلوقات والمصنوعات، حتى وجود الجن والشياطين والكافرين والفاسقين، والكلاب والخنازير والنجاسات، والكفر والفسوق والعصيان: عين وجود الرب، لا أنه متميز عنه منفصل عن ذاته، وإن كان مخلوقاً له مربوباً مصنوعاً له قائماً به" (٤).

وأما الأمر الثاني: وهو قولهم بأن الوجود شيء واحد لا ينقسم ولا يتجزأ؛ فإنهم نظروا للقدر المشترك بين الأعيان وهو مسمى "الوجود" فرأوا أنه واحد في الذهن لا يتعدد، وظنوا أنه يلزم من اتفاق الخالق والمخلوق في مسمى (الوجود) أن يكون وجودهما واحداً فقالوا بـ (وحدة الوجود) أي أن الوجود واحد، فلا وجود إلا (الوجود المطلق) أو (الوجود الواجب) الذي هو وجود الله، فكل موجود فهو الله لا غير، وليس هناك للمخلوقات والممكنات وسائر الموجودات وجود يختص بها وتتميز به، وإنما هي (وجود واجب) ظهر وتجلى على هيئة (وجود الممكن) وإن كان في الحقيقة واجبًا وليس ممكنًا، فالصورة صورة (الممكن) والحقيقة حقيقة (الواجب)، لأنه ما ثم وجود سوى الوجود الواجب وهذا هو معنى عبارتهم المشهورة «الله هو الوجود الواجب تجلى لذاته بأحكام الممكنات» (٥) فليس


(١) الصفدية (١/ ٢٦٣)
(٢) قال شيخ الإسلام -رحمه الله- في بيان تلبيس الجهمية (٢/ ٤٣): «وهم يشبهون من بعض الوجوه من رأى شعاع الشمس الذي على الأرض والحيطان والجبال فظنه نفس الشمس التي في السماء، مع أن هذا الشعاع منفصل عن الشمس، ومع أنه قائم بأجسام غيرها والمخلوقات، وإن كان لها وجود وتحقق فهو مخلوق لله بائن منه».
(٣) مجموع الفتاوى (٢/ ٢٩٧).
(٤) المصدر السابق (٢/ ١٤٢).
(٥) انظر: الفتوحات المكية (٤/ ١٩) والوجود الحق للنابلسي (ص:٩٨).
فجميع الكائنات عندهم هي ذات الله ولكنه سبحانه ظهر بصورة الخلق، فالكون كله باعتبار ظاهره هو خلق وباعتبار باطنه هو حق، وسبب ظهوره في صور الكائنات هو أن الله تعالى كان وجودًا مطلقًا لا اسم له ولا صفة ولا قيد، فأراد تفصيل أسمائه وصفاته وأن يتجلى وجوده بتمامه فظهر في صور الكائنات -تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا-. انظر: عقيدة الصوفية وحدة الوجود الخفية (ص:٣١ - ٣٣)

<<  <   >  >>