للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولهذا هو أقربهم إلى الإسلام، والكل مشتركون في التجهم، والتلمساني أعظمهم تحقيقاً لهذه الزندقة والاتحاد التي انفردوا بها، وأكفرهم بالله وكتبه ورسله وشرائعه واليوم الآخر» (١).

والناظر في كلام القوم لا يشك فيما ذكره شيخ الإسلام من تأثرهم بهذه المذاهب وخصوصاً الفلاسفة؛ فإنهم في الواقع هم المصدر الرئيس لشبه القوم وضلالاتهم، وأما تعطيل الجهمية وسلبهم فهو في الحقيقة مستمد كذلك من الفلاسفة وأقوالهم ونظرياتهم، وأما مجملات الصوفية وكلامهم الموهم للوحدة والاتحاد، فما هو إلا تطبيق عملي وأثر من آثار تأثرهم بمذاهب الفلاسفة.

فكان المصدر الرئيس في هذا كله هي الفلسفة الذي كان التصوف في مراحله الأخيرة مستمداً منها وراجعاً إليها (٢)، وشبهتهم هذه ما هي إلا مثال واقعي لمدى تأثرهم بالمذاهب الفلسفية، فإن قولهم بالوجود المطلق (الإحاطة) مأخوذ في الحقيقة من هؤلاء الفلاسفة، كما بين ذلك شيخ الإسلام -رحمه الله- فقال: «فلما كان


(١) مجموع الفتاوى (٢/ ١٧٥).
(٢) انظر: الصفدية (١/ ٢٦٧).
وقال شيخ الإسلام -رحمه الله-: «والشيوخ الأكابر الذين ذكرهم أبو عبد الرحمن السلمي في طبقات الصوفية وأبو القاسم القشيري في الرسالة كانوا على مذهب أهل السنة والجماعة ومذهب أهل الحديث كالفضيل بن عياض والجنيد بن محمد وسهل بن عبد الله التستري وعمرو بن عثمان المكي وأبو عبد الله محمد بن خفيف الشيرازي وغيرهم، وكلامهم موجود في السنة وصنفوا فيها الكتب، لكن بعض المتأخرين منهم كان على طريقة بعض أهل الكلام في بعض فروع العقائد ولم يكن فيهم أحد على مذهب الفلاسفة؛ وإنما ظهر التفلسف في المتصوفة المتأخرين فصارت المتصوفة تارة على طريقة صوفية أهل الحديث وهم خيارهم وأعلامهم، وتارة على اعتقاد صوفية، وتارة على اعتقاد صوفية أهل الكلام فهؤلاء دونهم، وتارة على اعتقاد صوفية الفلاسفة كهؤلاء الملاحدة» الصفدية (١/ ٢٦٧). وقال رحمه الله: «ولكن هؤلاء أخذوا مذهب الفلاسفة المنتسبين إلى الإسلام كابن سينا وأمثاله الذي دخل كثير منها في كلام صاحب الكتب المضنون بها على غير أهلها وأمثاله، فأخرجوها في قالب الإسلام بلسان التصوف والتحقيق» الصفدية (١/ ٢٦٥).

<<  <   >  >>