للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومنهم من قد يتلبس به الشيطان فينطق على لسانه بمثل هذه العبارات الكفرية (١)، ومنهم من الباعث له على ذلك الزندقة والإلحاد ولم يحدث له اصطلام ولا تلبس به جان، والحلاج إنما كان من النوع الثالث كما هو ظاهر من أقواله وأفعاله ومصنفاته قال شيخ الإسلام: -رحمه الله-: «وأما كونه إنما كان يتكلم بهذا عند الاصطلام فليس كذلك؛ بل كان يصنف الكتب ويقوله وهو حاضر ويقظان» (٢) فلا يصح الاعتذار له بأنه كان من أهل هذه الأحوال.

الوجه الثاني: أننا حتى لو سلمنا أن الباعث لنطق الحلاج بمثل هذه الكفريات هو الفناء الذي وصل إليه، والحال الذي غلب عليه، فمثل هذا الحال التي يزول فيها تمييزه بين الرب والعبد، وبين المأمور والمحظور ليست علماً ولا حقاً، بل غايته أنه نقص عقله الذي يفرق به بين هذا وهذا، وغايته أن يعذر، لا أن يجعل قوله توحيدا وتحقيقا (٣)!

الوجه الثالث: أن هذا التوحيد الذي يزعمون تحققه للعارف الفاني عن نفسه ووجوده بوجود الله سبحانه، إنما غايته ومنتهاه تحقيق ما أقر به المشركون من توحيد الربوبية، وهذا لا يدل على إسلام ولا إيمان فضلا أن يدل على صلاح وتوحيد وولاية، قال شيخ الإسلام رحمه الله: «فكذلك طوائف من أهل التصوف المنتسبين إلى المعرفة والتحقيق والتوحيد غاية ما عندهم من التوحيد هو شهود هذا التوحيد، وهو أن يشهد أن الله رب كل شيء ومليكه وخالقه، لاسيما إذا غاب العارف بموجوده عن وجوده، وبمشهوده عن شهوده، وبمعروفه عن معرفته، ودخل في فناء توحيد الربوبية. فهذا عندهم هو الغاية التي لا غاية وراءها، ومعلوم أن هذا هو تحقيق ما أقر به المشركون من التوحيد، ولا يصير الرجل بمجرد هذا التوحيد مسلماً، فضلاً عن أن يكون ولياً لله أو من سادات


(١) انظر: الجواب الصحيح (٢/ ٣٤١).
(٢) مجموع الفتاوى (٢/ ٤٨٦).
(٣) المصدر السابق (٨/ ٣١٣).

<<  <   >  >>