للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يخاطب بأسرارهم؟!

إنما الناس عندهم كالبهائم، حتى قال لي شيخ مشهور من شيوخهم لما بينت (١) له حقيقة قولهم، فأخذ يستحسن ويعظم معرفتي بقولهم، وقال: هؤلاء الفقهاء صم بكم عمي فهم لا يعقلون.

فقلت له: هب أن الفقهاء كذلك، أبالله (٢) أهذا القول موافق لدين الإسلام؟ فيتحير المجتهدون ويضطربون إذا شبه عليهم؟!

وقال لي بعض من كان يصدق هؤلاء الاتحادية، ثم رجع عن ذلك، فكان من أفضل الناس ونبلائهم وأكابرهم: ما المانع من أن يظهر الله في صورة بشر؟ والنبي -صلى الله عليه وسلم- يقول في

الدجال: (إنه أعور وإن ربكم ليس بأعور)، فلولا جواز ظهوره في هذه الصورة لما احتاج إلى هذا في كلام له. وأخذ يحتج بذلك على إمكان أن يكون ابن هود الله.

فبينت له امتناع ذلك من وجوه، وتكلمت معه في ذلك بكلام طال عهدي به، لست أضبطه الآن حتى تبين له بطلان ذلك.

وذكرت له أن هذا الحديث لا حجة فيه، والله سبحانه قد بين عبودية المسيح وكفر من ادعى فيه الإلهية بأنواع غير ذلك؛ كقوله تعالى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ} [المائدة:٧٥] فأكل الطعام لازم لكل بشر. وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} [المائدة:١٧]، وقال تعالى: {لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [البقرة:٢٥٥]، وقال تعالى: {لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:٤]، وأمثال ذلك» (٣).


(١) في المطبوع: (بنت) ولعله خطأ.
(٢) في المطبوع: (أبا الله) ولعله خطأ.
(٣) بغية المرتاد (ص:٥٢٠ - ٥٢٢).

<<  <   >  >>