للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إلا ما حرمه الله؛ ولا دين إلا ما شرعه الله؛ ولهذا عظم ذم الله في القرآن لمن شرع دينًا لم يأذن الله به ولمن حرم ما لم يأذن الله بتحريمه، فإذا كان هذا في المباحات فكيف بالمكروهات أو المحرمات ولهذا كانت هذه الأمور لا تلزم بالنذر فلو نذر الرجل فعل مباح أو مكروه أو محرم لم يجب عليه فعله كما يجب عليه إذا نذر طاعة الله أن يطيعه؛ بل عليه كفارة يمين إذا لم يفعل عند أحمد وغيره، وعند آخرين لا شيء عليه فلا يصير بالنذر ما ليس بطاعة ولا عبادة [طاعة وعبادة]، ونحو ذلك العهود التي تتخذ على الناس لالتزام طريقة شيخ معين كعهود أهل الفتوة (١)، ورماة البندق (٢)، ونحو ذلك ليس على الرجل أن يلتزم من ذلك على وجه الدين والطاعة لله، إلا ما كان ديناً وطاعة لله ورسوله في شرع الله؛ لكن قد يكون عليه كفارة عند الحنث في ذلك؛ ولهذا أمرت غير واحد أن يعدل عما أخذ عليه من العهد بالتزام طريقة مرجوحة أو مشتملة على أنواع من البدع إلى ما هو خير منها من طاعة الله ورسوله واتباع الكتاب والسنة، إذ كان المسلمون متفقين على أنه لا يجوز لأحد أن يعتقد أو يقول عن عمل: إنه قربة وطاعة وبر وطريق إلى الله واجب أو مستحب إلا أن يكون مما أمر الله به ورسوله؛ وذلك يعلم بالأدلة المنصوبة على ذلك وما علم باتفاق الأمة أنه ليس بواجب ولا مستحب ولا قربة لم يجز أن يعتقد أو يقال إنه قربة وطاعة.

فكذلك هم متفقون على أنه لا يجوز قصد التقرب به إلى الله ولا التعبد به


(١) الفتوة: المراد بها عند الصوفية مقام يتصف فيه صاحبه بالعدالة التي هي جماع الفضائل الخلقية ويتنزه عن الرذائل النفسية، والألواث الطبيعية، ويرجع إلى صفاء الفطرة. انظر: معجم اصطلاحات الصوفية لعبد الرزاق كشاني (ص: ٢٦١)، المعجم الصوفي للدكتورة سعاد الحكيم (ص: ٨٧١).
(٢) رماة البندق طائفة كبيرة يخرجون إلى ضواحي المدن يتسابقون في رميه على الطير ونحوه، ويعدون ذلك من قبيل الفتوة، ولهم زي خاص، ولهم أيمان وعهود مبتدعة يسمونها أيمان البندق، والبندق آلة صيد كانت تستخدم في عهد المماليك. انظر: نهاية الأرب (١٠/ ٣٢٤) جامع المسائل (١/ ٣٠٣)

<<  <   >  >>