للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والضلال قال الله تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} [النجم:٢٣]، وواقعهم ومنهجهم في الاستدلال يصدق هذا ويؤكد عليه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: «وكل من خالف الرسول لا يخرج عن الظن وما تهوى الأنفس؛ فإن كان ممن يعتقد ما قاله وله فيه حجة يستدل بها كان غايته الظن الذي لا يغني من الحق شيئاً، كاحتجاجهم بقياس فاسد، أو نقل كاذب، أو خطاب ألقي إليهم اعتقدوا أنه من اللّه وكان من إلقاء الشيطان، وهذه الثلاثة هي عمدة من يخالف السنة بما يراه حجة ودليلا … ، وإن تمسك المبطل بحجج سمعية، فإما أن تكون كذبًا على الرسول، أو تكون غير دالة على ما احتج بها أهل البُطُول، فالمنع إما في الإسناد وإما في المتن ودلالته على ما ذكر» (١)، وقال أيضاً: «وأما أهل الأهواء ونحوهم فيعتمدون على نقل لا يعرف له قائل أصلا لا ثقة ولا معتمد وأهون شيء عندهم الكذب المختلق وأعلم من فيهم لا يرجع فيما ينقله إلى عمدة بل إلى سماعات عن الجاهلين والكذابين وروايات عن أهل الإفك المبين» (٢).

فاعتماد أهل الأهواء والبدع على الروايات الضعيفة أو الموضوعة أمر ظاهر، ويبالغ بعضهم فيجعل من الأثر الضعيف دليلاً لا يصل إليه أدنى شك، بل قد يحارب دليلاً صحيحاً بآخر لا أصل له، ويجعلون من الروايات التي لا أصل لها ولا سند مصدراً للأحكام الشرعية والأمور الفقهية، ومعرفة الراجح من المسائل التي وقع الخلاف فيها بين الأئمة، فكان لذلك المصدر أخطر الآثار على العقيدة الإسلامية لاشتهار الروايات الضعيفة والموضوعة عند العامة الذين لا يميزون واعتقادهم بصحتها وسلامتها من الأخطاء.

والمقصود أنه لا يجوز سلوك مسلك القبورية في الاستدلال، والتحديث بالأحاديث الكاذبة، فضلاً عن الاعتقاد بما تقتضيه وتدل عليه تلك الأحاديث من اعتقادات فاسدة زائغة، فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (سيكون في آخر أمتي


(١) مجموع الفتاوى (١٣/ ٦٧ - ٧٨).
(٢) المصدر السابق (٢٧/ ٤٧٩).

<<  <   >  >>