للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عَابِدِينَ} [الأنبياء:٧٣]، ما جعله الله له من الإمامة في أصول الدين السّنية الشرعية ما أنعم الله به عليه وفضله به، فأتباعه لا يمكنهم مع إظهار موافقتهم له من الانحراف ما يمكن غيرهم ممن لم يجد لمتبوعه من النصوص في هذا الباب ما يصده عن مخالفته، ولهذا يوجد في غيرهم من الانحراف في طرفي النفي والإثبات في مسائل الصفات والقدر والوعيد والإمامة وغير ذلك، أكثر مما يوجد فيهم وهذا معلوم بالاستقراء؛ ولهذا مازال كثير من أئمة الطوائف الفقهاء وأهل الحديث والصوفية، وإن كانوا في فروع الشريعة مُتَّبعين بعض أئمة المسلمين -رضي الله عنهم أجمعين-، فإنهم يقولون: نحن في الأصول أو في السنة على مذهب أحمد بن حنبل، لا يقولون ذلك لاختصاص أحمد بقول لم يقله الأئمة، ولا طعنًا في غيره من الأئمة بمخالفة السنة؛ بل لأنه أظهر من السنة التي اتفقت عليها الأئمة قبله أكثر مما أظهره غيره، فظهر تأثير ذلك لوقوعه وقت الحاجة إليه، وظهور المخالفين للسنة، وقلة أنصار الحق وأعوانه" (١).

رابعاً: أن مرادهم بالتشبيه والتجسيم الذي رموا به الحنابلة هو إثباتهم للأسماء والصفات فجعلوا إثبات الأسماء والصفات تشبيهاً وتجسيماً "فلزم -على قولهم- أن يكون ما جاء به الكتاب والسنة، وما فطر الله عليه عباده، وما اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها تجسيماً! " (٢) والعياذ بالله!

خامساً: أن وقوع بعض المنتسبين للإمام أحمد بأمور منكرة في الاعتقاد أو غيره، لا يكون حجة في رد ما جاء به وقرره من الاعتقاد الصحيح، أو حُجةً في نسبة هذه الأمور المنكرة إليه، وذلك من وجوه:

الوجه الأول: أن هذا الأمر ليس مختصاً بأحمد فحسب، فما من إمام إلا وقد انتسب إليه أناس هو منهم براء، كما انتسب إلى مالك والشافعي وأبي حنيفة أناس هم بريؤون منهم، وأوضح من ذلك: انتساب من انتسب إلى علي بن


(١) بيان تلبيس الجهمية (٣/ ٥٤٨ - ٥٥١).
(٢) درء تعارض العقل والنقل (١٠/ ٢٥٠).

<<  <   >  >>