للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ابن كثير -رحمه الله-: «وهذه الأسانيد فيها ضعف، ولعله يشدّ بعضها بعضًا» (١).

ويؤيد هذا أيضاً ما جاء من تفسير بعض الصحابة لهذه الآية بما ظاهره أن المراد منها القبلة والجهة، ومن أصرح ما جاء في ذلك ما جاء في صحيح مسلم عن ابن عمر -رضي الله عنه- قال: (كان النبي يصلي على راحلته تطوعاً، أينما توجهت به وهو جاي من مكة إلى المدينة ثم قرأ ابن عمر: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:١١٥]، فقال ابن عمر -رضي الله عنه-: في هذا أنزلت الآية) (٢).

ومع هذا كله، فإنه لا مانع أيضاً من جعل الآية مع دلالتها على القبلة، دالة أيضاً على صفة الوجه لله -عز وجل-؛ لأن الله إنما ذكر هذا الموضع بلفظ الوجه لا بلفظ الجهة، وقد ثبت أيضاً بالنصوص الصحيحة المتواترة أن العبد عند استقباله للقبلة فإنه يستقبل ربه عز وجل، والله يقبل عليه بوجهه ما لم يصرف وجهه عنه، ومعلوم علو الله عز وجل على الخلق وإحاطته بهم، وكل الجهات مخلوقة فمن استقبل شيئاً منها فهو متوجه إلى ربه جل جلاله (٣).

وخلاصة الأمر أن الآية محتملة للمعنيين فمن فسرها بأحدهما أو كليهما معاً، فإنه لم يصرفها عن ظاهرها المتبادر، ولم يتأول شيئاً منها على خلاف ما هو عليه، فلا مدخل لهم في ذلك، ولا حجة لهم فيما ورد من تفسير ذلك.

الأمر الثاني: ما روي عن مالك في تأويل صفة النزول:

واحتج المخالف أيضاً بما ورد عن إمام دار الهجرة مالك بن أنس -رحمه الله- من تأويل صفة نزول الله بنزول أمره.

وأصل الشبهة عنده: اعتقاده ثبوت هذا التأويل عن إمام دار الهجرة مالك بن


(١) تفسير ابن كثير (١/ ٣٣٧).
(٢) رواه مسلم، كتاب صلاة المسافرين وقصرها (٧٠٠).
(٣) انظر: بيان تلبيس الجهمية (٦/ ٧٦ - ٨٠)، مختصر الصواعق المرسلة (ص: ٤١٣ - ٤١٩).

<<  <   >  >>