للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال شيخ الإسلام -رحمه الله-: «فيقال: لهذا المنكر للرؤية المستدل على نفيها بانتفاء لازمها وهو الجهة: قولك ليس في جهة، وكل ما ليس في جهة لا يرى، فهو لا يرى، وهكذا جميع نفاة الحق ينفونه لانتفاء لازمه في ظنهم، فيقولون لو رُئي للزم كذا، واللازم منتف فينتفي الملزوم.

والجواب العام لمثل هذه الحجج الفاسدة بمنع إحدى المقدمتين إما معينة وإما غير معينة؛ فإنه لا بد أن تكون إحداهما باطلة، أو كلتاهما باطلة، وكثيراً ما يكون اللفظ فيهما مجملاً يصح باعتبار ويفسد باعتبار، وقد جعلوا الدليل هو ذلك اللفظ المجمل، ويسميه المنطقيون الحد الأوسط (١)، فيصح في مقدمة بمعنى، ويصح في الأخرى بمعنى آخر، ولكن اللفظ مجمل، فيظن الظان لما في اللفظ من الإجمال وفي المعنى من الاشتباه أن المعنى المذكور في هذه المقدمة هو المعنى المذكور في المقدمة الأخرى، ولا يكون الأمر كذلك.

مثال ذلك في مسألة الرؤية أن يقال: له: أتريد بالجهة أمراً وجودياً أو أمراً عدمياً؟

فإذا أردت به أمراً وجودياً كان التقدير: كل ما ليس في شيء موجود لا يرى. وهذه المقدمة ممنوعة، ولا دليل على إثباتها، بل هي باطلة؛ فإن سطح العالم


(١) الحد الأوسط عند المنطقيين: هو الرابط بين الحدين الأصغر والأكبر، ومَثَّلَ له شيخ الإسلام بقولك: «كل نبيذ مسكر، وكل مسكر حرام، فكل نبيذ حرام»، فهذه الجملة مكونة من مقدمتين ونتيجة. وكل مقدمة مكونه من محمول وموضوع فالمقدمة الأولى: "كل نبيذ مسكر" موضوعها: النبيذ. ومحمولها: مسكر. ويسمى الموضوع (حداً أصغر) والمحمول (حداً أكبر) وهكذا في المقدمة الثانية موضوعها (الحد الأصغر) هو المسكر، ومحمولها (الحد الأكبر) هو حرام، ثم في النتيجة يظهر (الحد الأوسط)، والنتيجة هنا هي أن"كل نبيذ حرام" فالنبيذ هو موضوعها وهو (الحد الأصغر) والحرام محمولها وهو (الحد الأكبر)، والمسكر هو المتوسط بين الموضوع والمحمول وهو (الحد الأوسط)، الذي يمثل العلاقة بين الطرفين وعلة ارتباطهما، وهو الذي يكون محمولاً في المقدمة الأولى وموضوعاً في المقدمة الثانية. انظر: الرد على المنطقيين (ص:٢١١)، والمعجم الفلسفي (١/ ٤٤٩).

<<  <   >  >>