للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مذهبهم على أقوالهم، قد صرح غير واحد منهم بنقض قول النفاة، ومن ذلك ما نقله شيخ الإسلام عن ابن رشد الحفيد حين قال وهو يتحدث عن إثبات العلو: «وأما هذه الصفة فلم يزل أهل الشريعة في أول الأمر يثبتونها لله سبحانه حتى نفتها المعتزلة، ثم تبعهم على نفيها متأخرو الأشعرية، كأبي المعالي ومن اقتدى بقوله. وظواهر الشرع تقتضي إثبات الجهة مثل قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥]، ومثل قوله تعالى: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ} [البقرة:٢٥٥]، ومثل قوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ} [الحاقة:١٧]، ومثل قوله: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} [السجدة:٥]، ومثل قوله: {تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ} [المعارج:٤]، ومثل قوله: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} [المُلك:١٦]، إلى غير ذلك من الآيات، التي إن سُلِّط التأويل عليها عاد الشرع كله مؤولاً، وإن قيل فيها: إنها من المتشابهات، عاد الشرع كله متشابهاً؛ لأن الشرائع كلها مبنية على أن الله في السماء، وأن منها تنزل الملائكة بالوحي إلى النبيين، وأن من في السماء نزلت الكتب، وإليها كان الإسراء بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، حتى قرب من سدرة المنتهى» (١).

فكيف يقال بعد ذلك أن المخالف في ذلك إنما هم الكرامية والحنابلة وحسب، وهذا كلام بعض رؤوس أهل الكلام والفلسفة في هذا الباب.

وأما كلام أئمة السلف الذين كانوا قبل أن يوجد الحنابلة والكرامية فأكثر من أن يحصر وأكبر من أن يسطر، وقد ذكر شيخ الإسلام نقولاً كثيرة عنهم في تقرير العلو والرد على نفاته يطول سردها، وذكرها في هذا الموضع فليراجعها من يشاء، "فإذا كان سلف الأئمة وأئمتها وأفضل قرونها متفقين على قول أهل الإثبات، فكيف يقال: ليس هذا إلا قول الكرامية والحنبلية؟ " (٢).

٣) أنه لم يطبق على نفي العلو عن الله -عز وجل- إلا طوائف أخذ بعضهم عن بعض


(١) درء تعارض العقل والنقل (٦/ ٢١٤)، وانظر: مناهج الأدلة (ص: ١٤٥).
(٢) درء تعارض العقل والنقل (٦/ ٢٦٦).

<<  <   >  >>