للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان إذا أُثني عليه في وجهه يقول: (والله إني إلى الآن أجدد إسلامي كل وقت، وما أسلمت بعد إسلاماً جيداً)، وبعث إليَّ في آخر عمره قاعدة في التفسير بخطه، وعلى ظهرها أبيات بخطه من نظمه:

أنا الفقير إلى رب البريات … أنا المسيكين في مجموع حالاتي

أنا الظلوم لنفسي وهي ظالمتي … والخير إن يأتنا من عنده يأتي

لا أستطيع لنفسي جلب منفعة … ولا عن النفس لي دفع المضراتِ» (١)

الثناء عليه:

كان من البساطة بمكان نقل ثناء أهل العلم على شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، وذلك أنه لا تخلو ترجمة من تراجمه على ما لا يحصى من أنواع التعظيم والمدح والثناء العاطر والذكر الحسن والجميل، وقد تفنن المترجمون له في ذكر صفاته الحميدة وأخلاقه العظيمة وعلمه الجم، حتى أن الناقل للثناء عليه ليتحير فيما ينقل وعمن ينقل؟! ولكن مع هذا كله كان مما لفت نظري وشد انتباهي عبارة عظيمة وُصِفَ بها شيخ الإسلام ولطالما تكررت أثناء ترجمته بنحو لم يعهد في ترجمة أحد غيره، وهي قول كثير ممن عاصره أو ترجم له: إنه لم يُرَّ مِثلُهُ، أو لم نرَّ مثلهُ، أو نحوها من العبارات التي تتضمن المدلول نفسه، وهذه العبارة على قلة كلماتها إلا أنها تُعتبر الغاية في الثناء، والمنتهى في المدح والإطراء، وهي الكلمة التي يقف عندها العاجز عن وصف ما شاهده، فإن الواقف على مكان جميل أو منظر خلاب إذا عجز عن وصف ذلك ورأى أنه مهما عبر للناس عن جماله وحسنه لم يؤد حقه، فإنه يلجأ إلى هذه الكلمة فيقول لم أر مثله قط، وكأنه يختصر المسافة أمام السامع فيقول له: تذكر أجمل مكان رأيته في حياتك فهذا أفضل منه وأجمل، فليس له نظير ولا مثيل ولا شبيه، وكذلك كان شيخ الإسلام رحمه الله فريد وقته وأوحد عصره


(١) مدارج السالكين (١/ ٥٢٠).

<<  <   >  >>