للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي هذا المعنى يقول فرانك بيلي: " قد يبدو لأوّل وهلة أنَّ التصويت ثم قبول قرار الأكثرية شيء منطقي ... لكن المسألة ليست بهذه البساطة! لأنَّه كثيراً ما يكون هناك أكثر من خيارين يتعين انتقاء واحد منهما، وعلاوة على ذلك فإنَّه لا يتبع أن يضع كل مقترع عدداً من الخيارات بالترتيب نفسه الذي يفضله. لنفترض أنَّه توجد ثلاثة خيارات أوب وج، فقد لا توجد أكثرية ٥٠بالمائة + ١ لأي منها؛ وإذ طلب إلينا ترتيبها فقد تكون احتمالات الترتيب كما يلي: أ, ب، ج، - أ، ج، ب - ب، أ, ج - ب، ج، أ -ج، أ، ب - ج، ب، أ - ومع ذلك قد لا تظهر أكثرية واضحة في الترتيب.

ومن البديهي أنَّ الأمر يزداد صعوبة حين تكون لدينا أربعة خيارات للحصول على أكثرية واضحة لخيار ما؛ ولذلك قد يتم استنباط قواعد غير قاعدة ٥٠ بالمائة +١ " (١).

ومع إشكاليات محددات الأغلبية ومن ثم محددات الأقلية - يقول أستاذنا الشيخ الدكتور منير البياتي حفظه الله: " في النظام الديمقراطي لا توجد ضمانات ضد طغيان الأغلبية في البرلمان، وهي تمتلك حق التشريع، من أن تعصف بحقوق الأقلية، وتستبيح لنفسها تدميرها متبجحة بأنَّها منتخبة من قبل الشعب، وأنَّها تمثله! وأنَّ إرادتها مطلقة؛ لأنَّها تمثل إرادة الأمَّة صاحبة السيادة!؛ والنتيجة الطبيعية لذلك، هي الاستبداد والطغيان " (٢)؛ وقد استشهد بأقوال لعدد من الأساتذة الغربيين وغيرهم في باب مهم بعنوان: تطبيق النظام الديمقراطي، من أطروحته القيمة: (النظام السياسي الإسلامي مقارنا بالدولة القانونية - دراسة دستورية شرعية وقانونية مقارنة)، والذي أمضى في تأليفها ما يقارب عقداً من الزمن.

٧ - وأخيراً فإنَّ حالات الضرورة الاستثنائية، لا تخرم مبدأ سيادة الشريعة بحال؛ وإنّما قد ترفع الإثم عن التأخر الاضطراري في إعلان تحكيم الشريعة أو التدرج في تطبيقها؛ وهذه مسألة خارجة عن محل الإشكال، ومع ذلك فإنَّ العاجز عن تطبيق الشريعة يجب عليه وجوباً: التزام ما يمكنه تطبيقه منها في نفسه ومن حوله ومن تحت ولايته مع اعتقاد لزوم تحكيمها فيما يتطلب سلطانا، عند الاستطاعة على ذلك، دون أن يكون لأحدٍ في ذلك خيرة.

وقد نبَّهت - وغيري - إلى قاعدة الاستثناء للضرورة في بدايات ما يُعرف بالربيع العربي، إثر سقوط رأس النظام التونسي السابق، وذلك في خاطرة بعنوان: نحو وعي فقهي سياسي خاطرة من وحي الثورة التونسية، ومما جاء فيها: "ولعل من أهم وظائف العلماء في مثل هذه الحال في هذه العصر: أن يبادروا إلى درء الفتن، وبناء الوحدة الوطنية الأصلح في تحقيق المصالح ودرء المفاسد منطلقين من أصول الإسلام ومبادئه وموازنته الشرعية. وعليه؛ ففي مجتمعات تعمقت فيها الأحزاب غير الإسلامية فكرا، ينبغي أن يتم التعاون في المشترك الوطني الذي حفظ للأمة كيانها، ويُعملوا قواعد التدرج في بناء دولة تدرأ المفاسد، وتحقق ما أمكن من المصالح.

وليس من المناسب طرح ما تقتضي السياسة الشرعية التأني في طرحه. ففرق بين تقرير الأحكام الشرعية الثابتة والمتغيرة، الذي يجب أن يستمر وتتوارثه الأجيال، وخاصة ما كان من قبيل (فقه المُنْسَأ أي: المؤخر لحينه)، وبين ظروف تطبيق ذلك وآليات تنزيله في الواقع، التي تحكمها ظروف المرحلة وفق أسس شرعية معروفة عند علماء الشريعة " (٣).

هذا ما تيسر تدوينه عرضاً، في بيان قضية مهمّة، قد تخفى على بعض أهل الإسلام تفاصيلها لارتباطها بمصطلح أجنبي النشأة؛ ولكثرة ترويج الديمقراطية من خصوم الإسلام وغيرهم، دون وعيٍّ للفروق الجوهرية في النظر إلى الديمقراطية بين فلسفتها المناقضة للإسلام في جعلها السيادة للبشر أمة أو شعبا أو برلمانا، وبين آلياتها التي يمكن الإفادة منها بعد إخضاعها للسيادة الإسلامية وضبطها بضوابط النظام الإسلامي.

أسأل الله تعالى أن يوفق أهل الإسلام للحكم بشريعته في كل بلادهم، حتى يذوق النّاس طعم العدالة الإسلامية ورحمة الله في أرضه، دون تدخل طاغية مستبدّ متجاوز لحدود الله، فرداً كان أو جماعة.

وصلى اللهم على خاتم الأنبياء، وقدوة الحكّام الأوفياء، نبينا محمد وآله.


(١) معجم بلاكويل للعلوم السياسية:٣٩٣.
(٢) النظام السياسي الإسلامي مقارنا بالدولة القانونية - دراسة دستورية شرعية وقانونية مقارنة:٣١٩.
(٣) نشر في عدد من المواقع ومنها موقع الاتحاد العالمي الإسلامي، وهي موجودة على موقعي:
http://smotaibi.com/dim/articles.php?action=show&id=٢١٩

<<  <  ج: ص:  >  >>