حين يؤول أمر "النص الديني" قرآنًا وسنة، هذا المآل، في قراءات الحداثيين، فإن الاحتكام إلى "منهجية" توجه القراءة، وتضبط مسارها، فهمًا وتفسيرًا وتأويلًا، وتحمي "النص" من أن يكون مجالًا للتزيد والإقحام، أو العبث واللهو، وتمكِّن من "الفهم" الصحيح لمقاصده، يكون أمرًا ضروريًا، فمن لم يكن "مقياسه" مضبوطًا كل الضبط، فإن المعاني تختلط عليه وتمتزج، ووقع في"التيه" الذي أدخلتنا فيه الحداثة، وما بعدها!! وهذه "المنهجية" محكومة بأصل عام، يمثل"مرجعية" لها، وهو: أن تكون "قراءة" النص الديني الإسلامي، على"طريقة العرب في خطابها" و"مسالكها في تقرير معانيها" و"منازعها في أنواع مخاطباتها" و"عادات اللسان العربي في الاستعمال، وخصوصياته في توزيع المعاني على الألفاظ" وأن يُفهم وَفق مدلوله العربي، الذي يتبادر إلى الذهن، من دون ليٍّ ولا إغراب، ولا تعطيل لمغزي، أو إقحام لمعنى.
و"معهود العرب في كلامها" و"مَهْيَعُها" في "مقاربته" و"تلقيه" أراه يقوم على"الضوابط" الآتية:
أولًا: سلطة النص (ضبط العلاقة بين القارئ وفقه النص): والمراد بـ"سلطة النص" هي: قدرته على تحقيق "معنى" ما، يتمتع بقدر من الإلزام، ويقبل التثبيت؛ حتى ينضبط الفهم، ويصح الاستنباط، من خلال المعطيات التي يقدمها "النص" نفسه، ومن ثم، فحدود "سلطة" القارئ مع النص، وخاصة النص الديني، تكمن في:"الإصغاء إلى النص" و "اكتشاف دلالاته" و"التفهم لمعناه" ثم"التعبد بمقتضاه"، وقد قننت كتب الأصول، والتفسير، وشروح الحديث "آليات" القراءة التفسيرية والتأويلية، و"معاييرها" من خلال الضوابط الكفيلة بالارتباط بـ"النص" والفهم عنه، واستثمار معناه، و"الغوص" في أعماق الدلالة"دلالة النص، ودلالة معقول النص" حتى صار "النص" في الفكر الإسلامي، أحدَ"الأحباس" أي الأوقاف، التي لا يجوز التصرف فيها بحال.
ثانيًا: معنى النص (ضبط العلاقة بين نهج الاستباط ومسألة القصد): لا أبعد إذا قلت: إن "فقه البلاغ اللغوي" قائمٌ، في الفكر الإسلامي، على البحث عن المعنى الذي يحمله النص؛ فالمفسر "يطلب" المعنى، والنحوي "يوفر الأداة" من أجل الإبانة عنه، والفقيه أو عالم الأصول "يقنن" طريقة الاستنباط منه، ومنهج الفقه فيه، والجميع يبحث عن "الفهم الأوفى" انطلاقًا من الظاهرة اللسانية، أو البلاغ اللغوي!! يقول الشاطبي:" فاللازم الاعتناء بفهم معنى الخطاب؛ لأنه المقصود والمراد، وعليه ينبنى الخطاب ابتداء، وكثيرًا ما يغفل هذا النظر بالنسبة للكتاب والسنة؛ فتلتمس غرائبه ومعانيه على غير الوجه الذي ينبغي"الموافقات، (٢/ ٨٨ - ٨٩). فينبغي العناية بمسألة"القصد" الذي "يُؤَمُّ"، و"مراد" المتكلم و"غايته" من الكلام.
ومن أهم الأمور التي توقف على "مقصد" الكلام: "القراءة الجامعة" التي تضع الجزئيات في إطار الكليات، وتردف الفروع بأصولها، و"القرائن" و"مقتضيات الأحوال" المحيطة بالنص، واستبصار ما سيق الكلام له، وما تعلق به من معان، وما هدت "القرائن" إليه، أو ما منعت منه وصدت عنه، والوقوف على:"عرف المتكلم" و"عادته في خطابه".