للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عجبت كثيرا من دندنة فضيلة الشيخ وفقه الله تعالى حول المناعة مع أن الشريعة منعت ما يحرك الغرائز، ويؤدي للفواحش، ولم تبح هذه الوسائل اتكاء على المناعة التي ينبغي أن يتحلى بها أفراد المجتمع، فمنعت من النظر إلى النساء، والاختلاط بهن، والخلوة، وسفر المرأة بلا محرم؛ لأن هذه الأفعال مظنة الوقوع في الفواحش، مع أنه قد يحصل اختلاط ونظر وخلوة وسفر بلا محرم ولا تقع فواحش، بسبب وجود مناعة أو مانع عند الرجل أو المرأة؛ لكن حكم الشريعة أغلبي، فالأصل أن الشريعة فيها منع مع غرس المناعة في نفوس الناس، وهذا المنع يتناول كل ما يثير الغرائز لدى الجنسين، ومعلوم أن عماد السينما منذ نشأت وصارت صناعة وتجارة إلى يومنا هذا إنما هو على إثارة الغرائز، ونشر الفواحش ومقدماتها، فهل من المناعة أن نسمح بالسينما ونسوغها ونحن نعلم ما سيعرض فيها مسبقاً وما تجر إليه من منكرات عدة؟ وهل في باب المناعة المقترح أن نقول للناس لا تحضروا إلا ما كان عرياً عن المحرم؟ أو احضروا وأغمضوا أعينكم إن كان ثَمَّ مشاهد محرمة أم ماذا؟ فالكلام عن المناعة هو كلام مهلهل لا زمام له ولا خطام، وهو إلى التنظير أقرب منه إلى التطبيق.

وأما يتخيله البعض في أذهانهم وما يحلمون به من تحسين وجود سينما نظيفة، فهو في الأذهان والأحلام لا في الواقع المشاهد، فلماذا يحاكمون الواقع بما يحلمون به، ويرسمونه في أذهانهم من خيالات لا وجود لها في الواقع؛ ذلك أن مبنى السينما على الإثارة التي يحبها الجمهور، والإثارة غالباً ما تكون فيما يتعارض مع الدين والأخلاق كالعنف والجنس، فالمعادلة: أنه لا سينما مؤثرة بلا إثارة، ولا إثارة إلا في المحرمات، يقول المخرج الألماني الغربي فولكر شليندروف: «يحرك الجمهور دافعان: الجنس والعنف، أصبحنا جميعا بهذا المعنى كمتعاطي المخدرات نتحرك عندما يحركوننا، عندما يجذبوننا أو يبعدوننا، ولا يوجد لدينا انسجام مع ذواتنا» (١) أما العنف: فالسينمائيون يرون أن برامج العنف أكثر رخصاً وسهولة في إشعال اهتمام المشاهد، فتزيد عدد المشاهدين، وترفع تقييم البرامج، وقبل ذلك تزيد في إيرادات الإعلانات الدعائية، ويبرر أحد كبار رجال صناعة التلفزيون في أمريكا في شهادة أدلى بها أمام لجنة تحقيق خاصة بمجلس الشيوخ الأمريكي قبل سنوات قليلة، أن زيادة برامج العنف والجريمة هي من الضرورات الفنية (التكنولوجية) التي تتطلبها طبيعة المنافسة المشروعة. . ويقول الناقد السينمائي المصري محمود قاسم: «إن السينما صورة من الواقع وربما تسبقه أحياناً، فلو نظرنا إلى الجرائم البشعة التي تحدث اليوم، وقرأنا صفحات الحوادث سنجدها مليئة بالعنف والدموية، والسينما من جانبها تجسّد تلك الحوادث أو الجرائم بتفاصيلها وأبعادها كافة، والخطورة تكمن في تجسيد السينما للعنف بصورة نافرة أكثر من الواقع ... انعكست السينما الأميركية في أعمالنا، وأثّرت في مخرجين مصريين كثيرين، فانتشرت لغة العنف منذ بداية الثمانينات من القرن الماضي، تحديداً مع أفلام الحركة والمطاردات» (٢) ويلفت الناقد السينمائي المصري كمال رمزي إلى أن ظاهرة العنف في السينما لها أوجه وأبعاد مختلفة، موضحاً أن بعض علماء النفس والاجتماع قال: «إن تجسيد لذة العنف والقتل على الشاشة يعزز الرغبة في تنفيذ مشاهد العنف لدى بعض المهيئين لذلك السلوك» (٣).


(١) انظر: الفن السينمائي وصراع الأفكار، ص ٢٢
(٢) جريدة الجريدة الكويتية، عدد ٥٠٨، ١٢/ ١/٢٠٠٩م.
(٣) المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>