للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودعاة السينما في مصر يعترفون بعد مضي قرن على بدايتها أن قضايا مصر الحيوية لم تأخذ حظها من السينما، وأنها كانت سينما عابثة، وأعظم ما أزعجهم توبة عشرات الممثلات من عفن السينما والتمثيل، والتزامهن بالحجاب (١).

وهذه نصيحة تقدمها من سلكت هذا الطريق المظلم سنوات طويلة حتى صارت نجمة سينمائية مشهورة ثم تابت منه، وهي الممثلة المصرية نورا فتقول: «فن هذه الأيام فن مبتذل فيه إسفاف ولن يكون رسالة سامية مطلقاً فهو بعيد كل البعد عن الإسلام ... إني أنصح كل فتاة تتخذ من هؤلاء الفنانيين قدوة لها، أو تفكر في الزج بنفسها في وسط تلك الأجواء العفنة أن تقف طويلا وتمعن النظر في أحوالهم، وأقوال التائبين منهم، وأن لا تغتر بما هم فيه من المظاهر الجوفاء، وبريق الشهرة الخادع، فما هو إلا كظل زائل أو سراب كاذب سرعان ما يزول فتكشف الحقيقة» (٢).

فهل نبدأ من حيث بدأ الآخرون، وقد سلكوا طريقا مظلما خلال قرن لم ينبت لهم إلا علقماً وحنظلا، فهجره كثير من بناتهم لما ذقن حلاوة التوبة، وعلمن أنهن كن لعباً في أيدي اليهود والنصارى ووكلائهم، ولماذا يُسمح في بلادنا المباركة لأقلية مفسدة أن تفرض فكرها المنحرف على جمهور الناس؟ فأين عقلاء قومي أين؟!

[رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلَّا فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الغَافِرِينَ] {الأعراف:١٥٥}


(١) جاء ذلك في العدد الذي خصصته مجلة روز اليوسف المصرية في ٥ يناير ٢٠٠٨ عن السينما المصرية في عيدها المئوي، ومن المضحك أن كثيرا من الكتاب العلمانيين في مصر من ليبراليين وقوميين واشتراكيين شنوا حملة شعواء على توبة الممثلات، وتنادوا بإزالة الخطر الداهم على السينما المصرية، وزعموا أن توبة الفنانات اشتريت منهن بأموال تصل إلى الملايين يدفعها لهن تجار من الخليج ليعتزلن الفن، ويلتزمن بالحجاب، وجوبهت إحداهن بهذا الكلام على إحدى الفضائيات فبكت من عظم الفرية، وقالت باللهجة المصرية: هم بيدفعوا للي بيخلع مش للي بيلبس، وقد أوجزت وأصابت؛ فالناظر لشبكات التلفزة التي يملكها تجار الخليج يعلم حقيقة قول هذه الممثلة التائبة، تقول الممثلة شمس البارودي -وهي من أوائل من تابوا من السينما وأهلها-: «أفلامي التي تبرأت منها وأعتبرها ذنباً سأظل طيلة عمري أبكي ندماً عليه وعلى اقترافه ... بدءوا يعرضون هذه الأفلام بكثرة ملحوظة لدرجة أنه بعد حجابي واعتزالي الفن بشهور كانت جميع دور العرض في مصر، بل وفي البلاد العربية أيضاً تعرض الأفلام التي تبرأت منها تبرؤ الإنسان الطاهر من الرذيلة .... حاول عشرات المنتجين أن يعيدوني إلى التمثيل .. أعطاني بعضهم شيكات على بياض، وعرض علي بعضهم أرقاما خيالية ما كنت أحلم بها، بل إن ناقداً فنياً كبيراً قد اتهمني بأنني دفنت نفسي ودفنت جمالي وأنوثتي ودلالي وشهرتي وضحك علي أصحاب الذقون!! ولكني أقول لهم ولغيرهم أبداً لن أعود إلى الفن .. لن أعود إلى الشيطان الذي سرق مني كل شيء» أهـ فنانات تائبات ونجمات الإثارة، ص٥٧.
والعجيب في الأمر أن أبالسة الإفساد والسينما في مصر أقنعوا بعض مشايخ الضلالة بأن يعظوا التائبات ويقنعوهن بالعودة للسينما باعتبارها باباً من أبواب الدعوة والجهاد وتثقيف المجتمع، كما انتزعوا منهم فتاوى بأن السينما والتمثيل فيها لا يتعارض مع الشرع وجعلوها حاجزاً للممثلات الباقيات في السينما تحجزهن عن التوبة من هذا الإثم المبين، وبهذه الفتاوى المضلة عاد بعض من اعتزلن الفن والسينما إليها مرة أخرى، وأذكر أن إحداهن سئلت عن التوبة من الفن والسينما في إحدى المجلات المصرية، فقالت: أتوب من ماذا؟ الفن عبادة أتعبد بها لله تعالى!! ويحمل إثم هؤلاء النسوة من أضلهن من مشايخ الهوى والضلالة، نسأل الله تعالى العصمة والهداية لنا وللمسلمين [فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ الله لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ] {البقرة:٧٩}
(٢) أسرار في حياة التائبات، عبد المطلب حمد عثمان، دار طويق للنشر والتوزيع، الرياض، ط: الثانية، ص١١٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>