للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد كتب الشيخ - ابن منيع- حفظه الله بعد ذلك وفي هذا العام بالتحديد (١٤٢٨ هـ) ردًا تناقلته بعض وسائل الإعلام المكتوبة (١)، لا يخلو من صلابة في الخطاب على فضيلة الشيخ صالح اللحيدان الذي كتب تصريحًا يرد فيه على "دعاوى المرجفين"، مستعملاً فيه - على عادة أكثر مشايخنا في المملكة العربية السعودية- لغة خطاب عامة، الأمر الذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى عدم فهم حجتهم، بل ربما النظر إليها كحجة ضعيفة مهلهلة لا تصمد أمام الحجج القوية والواقعية التي يأتي بها المخالفون، ثم تعقب الشيخ صالح الفوزان حفظ الله الجميع، الشيخ ابن منيع في رده على الشيخ اللحيدان، ومؤيدا للشيخ اللحيدان، ولما جرى عليه العلم في السعودية، بكتابة مختصرة شبيهة بكتابة الشيخ اللحيدان، الأمر الذي كرس لدى البعض القول بضعف حجة القائلين بالرؤية دون الحساب، أو بقوة كلام الشيخ ابن منيع في اعتماد الحساب في النفي دون الإثبات إذ لم يتمكن أحد من الإجابة على شبهه، ولا زال الرادون عليه يكررون نفس الكلام الذي يعرفه الشيخ ابن منيع نفسه .. كانت هذه المداولات دافعًا لتقديم الإقدام على الإحجام وتحرير ما اجتمع لدي في هذه المسألة على وجه الاختصار في صورة مقالة لعل الفائدة تعم بمشيئة الله تبارك وتعالى.

هذا، وقد جمعت هذه المقالة طرفًا من التعقبات على مآخذ الشيخ ومن وافقه في النظر لهذه المسألة، مما لم أجده في كلام المعاصرين الذين تعقبوا القائلين بالرؤية وعدم الالتفات للحساب، وأوردت إيرادات خارجة عما تداوله الطرفان، مما لا أظن أن الشيخ ابن منيع ولا من وافقه قد اطلع عليها، ولا أجابوا عنها، الأمر الذي يؤمّلني في أن ينظر إليها الشيخ ابن منيع ومن يوافقه نظرة منصفة ومتأملة.

ثم بعد ذلك أحب أن أقول بأن هذا التعقيب على الشيخ ابن منيع، لا يرد على مسألة اجتهادية، إذ إن المسائل الاجتهادية تتسع لها الصدور، ولا ينبغي إشغال العامة بها، لكنه يأتي في مسألة لا يرد عليها بحث أصلا لانعقاد سابق إجماع أو شبهه مما له حكمه عليها، وقد قال ذلك من قبل فقيه مفسر أصولي كبير، فقد قال الجصاص الحنفي: (فالقائل باعتبار منازل القمر وحساب المنجمين خارج عن حكم الشريعة، وليس هذا القول مما يسوغ الاجتهاد فيه لدلالة الكتاب ونصِّ السنة وإجماع الفقهاء على خلافه) (٢)، ومثله قال ابن تيمية- وكلامه هذا معروف متداول - (فإننا نعلم بالاضطرار من دين الإسلام أن العمل في رؤية هلال الصوم أو الحج أو العدة أو الإيلاء أو غير ذلك من الأحكام المعلقة بالهلال بخبر الحاسب أنه يرى أو لا يرى لا يجوز والنصوص المستفيضة عن النبي صلى الله عليه وسلم بذلك كثيرة، وقد أجمع المسلمون عليه ولا يعرف فيه خلاف قديم أصلاً ولا خلاف حديث إلا أن بعض المتأخرين من المتفقهة الحادثين بعد المائة الثالثة زعم أنه إذا غم الهلال جاز للحاسب أن يعمل في حق نفسه بالحساب فإن كان الحساب دل على الرؤية صام وإلا فلا، وهذا القول وإن كان مقيدا بالإغمام ومختصا بالحاسب فهو شاذ مسبوق بالإجماع على خلافه فأما اتباع ذلك في الصحو أو تعليق عموم الحكم العام به فما قاله مسلم) (٣).اهـ

وقد نقل الإجماع على طرح العمل بالحساب بإطلاق - وهذا يشمل النفي والإثبات - جمع من العلماء، منهم


(١) منها جريدة الرياض يوم الأحد ٩ شوال ١٤٢٨هـ- ٢١ أكتوبر ٢٠٠٧ - العدد ١٤٣٦٣،
(٢) أحكام القرآن (١/ ٢٨٠).
(٣) مجموع فتاوى ابن تيمية ٢١/ ١٣٢ - ١٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>