للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجصاص (١) - وقد تقدم كلامه -، والباجي (٢)، وابن رشد القرطبي (٣)، والحطاب (٤) وشيخ الإسلام ابن تيمية -وقد تقدم كلامه كذلك-، وابن عابدين (٥) وغيرهم، بل إن أشهر وأعلم من قال الأخذ بالحساب مطلقا من المعاصرين أثبت ذلك، فقد قال العلامة أحمد شاكر: (واتفقت كلمتهم أو كادت على أن العبرة في ثبوت الشهر بالرؤية وحدها، وأنه لا يُعتبر حساب منازل القمر ولا حساب المنجم .. ) (٦).

فخلاف الشيخ ابن منيع ومن قبله ومن معه فيها خلاف طارئ، بل إنه خلاف غير محرر من جهة، وخلاف يفتح أبوابًا من الأسئلة والإيرادات التي تصعب الإجابة عليها وربما تتعذر.

مآخذ الشيخ ابن منيع ومن وافقه وحججهم في هذه المسألة:

إذا تأملنا كلام الشيخ ابن منيع ومن وافقه في هذا المسألة، نجده يدور حول مقدمات يمكن تلخيصها فيما يلي:

أولها: الرجوع إلى علم الفلك في النفي دون الإثبات، وكثيرًا ما يردد الشيخ في فتاويه" أما في حال النفي فيجب العمل بالحساب الفلكي، فإذا قال الحساب الفلكي بأن الهلال لا يولد إلا بعد غروب الشمس، ثم جاء من يقول إنه رأى الهلال قبل غروب الشمس، فهذا في الواقع باطل؛ لأن هذه الشهادة لم تنفك عما يكذبها، فوجب ردُّها مهما كان قائلها، ومهما تعدَّد الشاهدون بها) (٧).

وأما الثانية: فهي وقوع أخطاء في الرؤية السعودية أعوامًا عديدة، وذلك لنفي الفلك لإمكانيتها.

الثالثة: إنّ حسابات علم الفلك مقدمات لنتيجة قطعية الثبوت، إذ أنها حقيقة علمية، فيقول مثلا في تعقيبه على الشيخ اللحيدان (ولاشك بوجود الفرق بين من يتقدم بشهادة رؤية الهلال وبين من يذكر بحقيقة علمية معروفة لدى علماء ذلك العلم. فالأول يأتي بخبر يختص هو بمصدره - وهي الرؤية - والثاني يأتي بخبر علمي يشترك في معرفته جميع علماء ذلك العلم، فالأول في حاجة إلى تعديل وإنصاف بالثقة والأمانة والتقوى والصلاح لكون مصدر علمه بذلك الخبر - وهو الشهادة بالرؤية - ذاتياً في نفسه والثاني لا يلزم اشتراط تقواه وصلاحه لكون خبره معلوماً لجميع علماء ذلك الخبر).

الرابعة: أن الشهادة متى ما خالفت الحس وما هو قطعي الثبوت فإنها ترد ولا تعتمد.

وفي ظني أن الشيخ مع جلالة قدره وفهمه، فقد أخطأ في هذه المسألة خطأ لا يحتمله الاجتهاد، وأن هذه المقدمات منها ما هو خطأ أصلاً وما كان منها صواباً فلا تأثير له في مسألتنا هذه وعليه فلا يوجد مسوغ مقبول شرعًا لما يقوله الشيخ، ولذا فإن رأيه لا يعتبر أصلا اجتهادًا مقبولا تتسع له صدور المخالف، ويقبل القول أو العمل به، وهذا وإن كان استباقًا للنتائج في المقدمة، وهو خلاف العرف العلمي، إلا أنه مقتضى عرف الشريعة في الأمور المستقرة المعلومة والمشتهرة، فوجب اتباعه، وإن بدا مخالفا للطريقة الغربية التي لا تعترف بما "لا ريب فيه"، وهذا بيان ذلك:

أولا: إنه من المشهور أن المستقر عند المسلمين أن ثبوت شهر رمضان المبارك يحصل بأمرين لا ثالث لهما،

الأول رؤية الهلال،

الثاني إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما،


(١) أحكام القرآن (١/ ٢٨٠)، والجصاص فقيه أصولي مفسر حنفي توفي عام ٣٧٠هـ.
(٢) المنتقى شرح الموطأ (٢/ ٣٨) للباجي وهو فقيه أصولي مالكي متوفى ٤٧١هـ.
(٣) بداية المجتهد (١/ ٢٨٣، ٢٨٤) لا بن رشد وهو فقيه أصولي، مالكي توفي سنة ٥٩٥هـ
(٤) مواهب الجليل (٢/ ٣٨٧) للحطاب وهو فقيه مالكي توفى سنة ٩٥٤هـ.
(٥) حاشية ابن عابدين (٢/ ٣٨٧)، وابن عابدين فقيه حنفي متأخر متوفى سنة ١٢٥٢هـ
(٦) أوائل الشهور العربية ص ٤.
(٧) انظر على سبيل المثال فتاويه حول هذا الأمر في موقع الإسلام اليوم وهو من أكثر المواقع التي أبرزت رأي الشيخ هذا.

<<  <  ج: ص:  >  >>