للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا هو المشهور بناء على الأحاديث التي يحفظها كل أحد، لكن المتأمل لكلام الفقهاء يعلم أن ثمة أمر آخر يعتبر حاكمًا على هذين الأمرين وإليه المرجع في ثبوت الشهر، ألا وهو قبول المسلمين لأحد الأمرين - بل وحتى للحساب الفلكي - وهذه بعض الأدلة النقلية والعقلية التي تؤيد هذا؛ أعني أن قبول المسلمين لأحد الأمرين هو المعول عليه في بدء الشهر، وليعلم أن هذا ليس اجتهادًا أو ترجيحًا من كاتب هذه الأسطر، ولكنه - عند التأمل - عين ما قاله جماهير العلماء، بل إنه كذلك مما لا يسع أحدًا القول بخلافه، وأظن أن الشيخ ابن منيع في رده على الشيخ اللحيدان قد أقر به وأحسن، وقال: " ونحن نقول لفضيلته سمعنا وأطعنا لقراركم المؤيد من قبل ولي أمرنا فالفطر يوم يفطر الناس" لكننا نخالفه، ولا نرى أنه أحسن في قوله "ونحن في ذمة مجلس القضاء" فنحن في ذمة الله يوم أن عملنا بمقتضى تلك النصوص، لا نملك غير ذلك، وإنما تقال هذه العبارة لو أننا عملنا بالحساب، دون مشاهدة الشهر ..

وهذه هي الحجج:

أولا: لو رأى أحد من المسلمين الهلال، وشهد عند ولي الأمر فرد شهادته لسبب ما، فإن ابتداء الشهر يكون في اليوم الذي قرره ولي الأمر وقبله المسلمون، وعند غياب قرار ولي الأمر يقوم جمهور المسلمين مقامه كما هو مقرر، وأما هذا الذي رأى الهلال وحده، فله حالتان:

أ) أن يرى هلال رمضان، وهذا قد اختلف العلماء في حكمه، هل يصوم وحده، وهل يصوم سرًا أم لا، هذا في الصيام، هذا ما ذكره الفقهاء فيمن رأى هلال رمضان وحده.

ب) من رأي هلال شوال وحده - ويلحق به من استكمل ثلاثين يوما بناء على رؤيته- وبه يتضح الأمر أكثر، فيمكن أن يخرّج على القول السابق أنه يفطر سرًا، لكن كيف يفعل في صلاة العيد، هل يصلي العيد وحده كما ذكره بعض العلماء تخريجًا فيمن فاتتة صلاة العيد، أنه يصلي وحده في بيته!؟، هل يسافر إلى بلاد تصلي العيد؟، لم أر من ذكر هذا، ولا أظن أن الفقهاء تصوروا هذه الحالة، إذًا ليس له مناص من أن يصلي العيد مع المسلمين الذين يعيش معهم يوم دخول العيد عليهم.

يثور هنا سؤال آخر، وهو هل يقضي اليوم الذي تقرر عنده بناء على رؤيته، أنه من رمضان، أم لا؟ بحث نريد تجاوزه الآن.

تبقى الحالة الثانية، وهي من رأى هلال رمضان، وردت شهادته، لكنه ابتدأ الصيام وحده، وفي نهاية شهر رمضان لم ير الهلال، فأتم المسلمون في تلك البلاد رمضان ثلاثين يوما، فماذا يفعل إذ إنه ابتدأ الصيام قبل الناس؟ هل يصوم مع الناس؟ أو يفطر سرا؟ إن صام مع الناس فقد صام واحدا وثلاثين يومًا، وإن أفطر، فهل يقال أنه أفطر يومًا من رمضان؟ وهل يقال أيضا إنه صام يوم العيد المنهي عنه؟ وهل يقال إنه يصوم نفلا؟ فهذا غير متجه فإن كان من رمضان لم يجز له أن ينويه نفلا، وإن كان من شوال فهو أول أيام العيد، فيحرم عليه صيامه؟ جملة احتمالات ورادة جدًا على ما ذكروه فيمن رأى هلال رمضان وحده، ولهذا فإن هذه المسألة لا تنضبط إلا بحديث أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَالْأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ. قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَفَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا أَنَّ الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَعُظْمِ النَّاسِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>