للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثانيا: تكلم العلماء المعاصرون فيمن ابتدأ الصيام في بلد، ثم انتقل إلى بلاد أخرى، أثبتت دخول شهر شوال قبل بلاده، وعليه فإنه يكون قد صام ثمانية وعشرين يومًا، فهل يستمر في الصيام وحده، ولو خالف المسلمين في البلاد التي انتقل إليها، ليصوم اليوم المكمل للتاسع والعشرين، وأقل ما يكون الشهر تسعة وعشرين كما في الحديث، أم يصوم مع هذه البلاد، ثم يقضي يومًا، الفتوى المعاصرة التي لم نطلع على خلافها أنه يفطر مع هذه البلاد، ثم يقضي يومًا، ولا يسوغ القول بغير هذا، لأنه لو استكمل الصيام وحده، فإنه عرضة لأن يكون صام يوم العيد، وهو كذلك قطعًا لن يصلي عيدًا إلا إن انتقل إلى بلاد أخرى تصلي العيد في اليوم التالي، وهذا فيه ما فيه، ولهذا أفتى العلماء بأن يفطر مع البلد الجديد التي انتقل إليها، ثم يقضي يوما بعده ولا يصح عقلاً وشرعًا غير هذا.

وكذلك الحال إذا استكملت تلك البلاد الجديدة رمضان ثلاثين يومًا، فإنه إن أفطر وحده فإنه يرد عليه أن يكون أفطر يومًا من رمضان، ويرد عليه كذلك أن لا يصلي العيد إلا إذا سافر إلى بلاد تصليها في ذلك، ولهذا فإن المتعين في حقه أن يصوم اليوم الواحد والثلاثين معهم، ثم يصلي العيد معهم، لكن يبقى البحث هنا هل يصوم هذا اليوم بنية رمضان، أم بنية النفل؟ هو لا شك إشكال محل بحث، لكن هذا الإشكال يضعف مقارنة مع الاحتمال الآخر وهو أن يفطر وحده، فإن الموارد عليه عندئذ أكثر.

ثانيا: حجة نقلية صريحة مركبة من نص السنة النبوية، ونص الإجماع، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ وَالْأَضْحَى يَوْمَ تُضَحُّونَ قَالَ أَبُو عِيسَى هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَفَسَّرَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ إِنَّمَا مَعْنَى هَذَا أَنَّ الصَّوْمَ وَالْفِطْرَ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَعُظْمِ النَّاسِ.

ونظرة عجلى لكتب الفقه نجد أن هذا الأمر مستقر بيّن، يؤيد هذا الذي قاله الترمذي، بأن معنى هذا أن الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس.

الشهر شهران: شرعي، وآخر فلكي، أو لنقل الشهر له بدايتان، إحداهما فلكية، وأخرى شرعية:

ثانيا: إذا تقرر هذا، فقد علم أننا لا نصوم الشهر الفلكي الذي يبدأ مع خروج قرص القمر من شعاع الشمس، والذي يكون ترتيبه التاسع في الأشهر القمرية الفلكية في السنة الشمسية، ولكننا نصوم شهرا آخر هو الشهر الشرعي، وهو يفارق الشهر الفلكي، من عدة وجوه أهمها:

أن بدايته قد تطابق الشهر الفلكي وقد تخالفه، وهذا مما لم أجد له إشارة في كلام المعتمدين على الحساب، ولا في كلام من رد عليهم، وهو أمر واضح لا مراء فيه، وأظهر أمثلته إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما، فإذا ما "قطع" الحساب أن الشهر يبدأ يوم السبت مثلا، وهو يوم الثلاثين من شهر شعبان، لكن لم يتقدم أحد شاهدًا على الرؤية، فعندئذ وجب علينا إجماعًا - أو ما يقاربه لخلاف من شذ - أن نكمل عدة شعبان ثلاثين يوما مخالفين ذلك للحساب، ومستند هذا الاتفاق عدد من الأحاديث منها لفظ (فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين) ومنها لفظ (لا تصوموا حتى تروه، ولا تفطروا حتى تروه)، إذا تقرر ذلك، فإن أول يوم من شهر رمضان الشرعي، هو اليوم الثاني من شهر رمضان الفلكي!

<<  <  ج: ص:  >  >>