للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأصبحت آراؤه وتقريراته وتحقيقتها هي المعتمدة عند كثير من العلماء من بعده حتى إنه ما من عالم أو طالب أو باحث إلا ويحرص أن يضمن رأيه أو مقاله أو بحثه أو فتواه بشيء مما سطره ابن تيمية في فتاويه المجموعة، ومن حقنا أن نضمن هذا المقال بشيء مما قاله في هذا المجال، حيث كان من مقوله المتكرر في خمسة مواضع من مجموع الفتاوى وبعض كتبه: (ما لا يكون بالله لا يكون، وما لا يكون لله لا ينفع ولا يدوم) (١)، وقال في درء تعارض العقل والنقل نحوه: (وكل عمل لا يراد به وجهه فهو باطل لا منفعة فيه، فما لا يكون به لا يكون فإنه لا حول ولا قوة إلا به وما لا يكون له لايصلح ولا ينفع ولا يدوم) (٢)، وهي قريبة من عبارة مالك والشافعي رحمهم الله تعالى، وقد شاء الله تعالى لفتاويه وأقواله- وهي من أعماله- أن ينتفع بها العباد في سائر العلوم، وتصلح وتدوم، كما بقيت ودامت كتب وأقوال من سبقه بإذن الحي القيوم.

وعلى هذا النهج سار تلميذه النجيب ابن قيم الجوزية فصار لا يُذكر ابن تيمية إلا ويذكر بعده، فابن القيم معطوف، وشيخه معطوف عليه، وبينهما حرف عطف، نفع الله بعلومهما وكتبهما، واشتركا في كثير من العلوم والمعاني كما اشتركا في العطف والخفض والنصب والرفع والجزم، ومن بعد فلا عجب أن تجدهما يتفقان في بعض المعاني بل والعبارات والألفاظ، ومنها العبارة السابقة الذكر حيث يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: (ولا صلاح له - أي العمل- إلا أن تكون غاية حركته ونهاية مطلبه: هو الله وحده، كما لا وجود له إلا أن يكون الله وحده هو ربه وخالقه، فوجوده بالله وحده وكماله أن يكون لله وحده، فما لا يكون به لا يكون، وما لا يكون له لا ينفع ولايدوم). كما قال شيخه رحمه الله، ولا أدري هل نقل العبارة منه، أو هو من توارد الأفكار وهو غير بعيد، ووارد عند كثير من العلماء.

وتسير قافلة الكتب المخلصة تمخر عباب بحر الشبهات والشهوات لتقف في كل قرن وتحمل معها نتاج علم العلماء شاءوا أم أبوا ممن أراد الله بقاء علمهم وكتبهم، وفي القرن الثاني عشر تقف القافلة لتحمل معها كتيباً صغير الحجم، عظيم القدر، كتب الله فيه النفع العظيم، وشاء له البقاء، وشاء لغيره مما خالفه الزوال والفناء، كيف لايبقى وقد اجتمعت فيه عوامل البقاء ظاهرة من إخلاص لله تعالى في الهدف والمنهج والتأليف والدعوة، والحرص على نفع العباد وتصحيح عقيدة التوحيد، وتصفيتها عما يشوبها من الشرك والتنديد، كيف لايبقى ولا ينتفع به والحاجة الماسة لمثله في وقته قائمة على أشدها، كيف لا يبقى وقد بناه على الكتاب والسنة، والحرص على نصح الأمة، ولم يبنه على قواعد المنطق ومصطلحات المتكلمين التي خطؤها أكثر من صوابها، إنه (كتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد)، لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، ألَّفه في بيان توحيد الألوهية الذي هو إفراد الله بالعبادة وترك عبادة ما سواه، والبراءة من ذلك، وبيان ما يناقضه من الشرك الأكبر، أو ينقص كماله الواجب أو المستحب من الشرك الأصغر، وقسم الكتيب إلى أبواب، وأورد في كل باب ما يشهد له من الآيات والأحاديث، فهو مبني على الكتاب والسنة: قال الله، قال رسوله، كما قال الشاعر:

العلم قال الله قال رسوله ... قال الصحابة ليس خلف فيه

ما العلم نصبك للخلاف سفاهة ... بين النصوص وبين رأي فقيه


(١) مجموع الفتاوى (٣/ ١٢٤)، (٨/ ٣٢٩)، (٥/ ٥١٥)، (٨/ ٧٦)، (٨/ ٣٧٩).
(٢) درء تعارض العقل والنقل (٤/ ١٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>