ترى إلى متى ونحن نضع كل آمالنا على مجلس الأمن واللجنة الرباعية والمنظمات الدولية هنا وهناك الذين التزموا الصمت حيال هذه الإبادة المنظمة المتواصلة في فلسطين الحبيبة؟ نعم مقارنة بما يجب أن نسمعه ونراه من تحركات في ظل ما يجري, الإنكار والشجب الأجوف هو بمثابة صمت ورضا بذلك الإرهاب الأرعن. أما لو قتلت صواريخ القسام عشرة جنود محاربين يهود في سديروت أو عسقلان, لقامت الدنيا ولم تقعد فكيف وقد قتلت الغارات الصهيونية ما يربو على ثلاثمئة إنسان أعزل محاصر مجوع وأصابت أكثر من ألف وأغلبهم أطفال ونساء وشيوخ وغالبا لا يمتون إلى المقاومة والجهاد بصلة.
الهدف الأبرز لليهود هو ضرب المقاومة المسلحة وروح الجهاد في الأمة. فالمطلوب إما استسلام تام وتطبيع كامل مع العدو مكللا بسلطة فلسطينية تقبل الإملاءات الإسرائيلية وتسهر عليها وتسكت عن جرائمها وإما تهدئة تلو الأخرى تمكن الصهاينة من الاستمرار في بناء المستوطنات والجدار الفاصل والحفريات السرية استعدادا لهدم الأقصى وبناء الهيكل الثالث المزعوم.
في عصرنا هذا الذي رق فيه الدين وذبل, وعزف عنه المسلمون وغيرهم وغاب عن أذهان الكثيرين في قرارات الأمة المصيرية وأصبحت التصريحات والخطاب سياسيا مكررا معدا مسبقا, اضطررنا كثيرا إلى استعمال ذلك الخطاب السياسي البحت لمداراة تلك الأصوات التي تدعي الحكمة وتدعونا للكلام بالمنطق والموضوعية والابتعاد عن الدين والعواطف. لكن المتأمل الفاحص يجد أن ذاك الخطاب محدود جدا وساذج وفي الغالب انهزامي واستسلامي ويغفل الجوانب العقدية المهمة التي تحكم هذا الصراع بيننا وبين اليهود. فقد أصبح من نافلة القول أن كل تحركات الصهاينة السياسية تنبع من اعتقاداتهم الدينية ورغبتهم في تحقيق وعود التوراة المحرفة لهم بالسيطرة على كل فلسطين كمنحة إلهية لهم. ولئن انهال العرب خاصة العلمانيين منهم وراء سراب فصل الدين عن الدولة والعقيدة عن السياسة في محاولة بائسة لمحاكاة النظم الغربية الحديثة فقد أعلن اليهود صراحة أن الدين والدولة شيء واحد عندهم وأنهم في خدمة بعضهم البعض. ففي الندوة التي عقدت في إسرائيل في ١٩٨١ قال د. مصطفى خليل رئيس وزراء مصر الأسبق:"أود أن أطمئنكم أننا في مصر نفرق بين الدين والقومية, ولا نقبل أبدا أن تكون قيادتنا السياسية مرتكزة إلى معتقداتنا الدينية" فوقف أحد الأساتذة الإسرائيليين المتخصصين قائلا: " إنكم أيها المصريون أحرار في أن تفصلوا بين الدين والسياسة, ولكني أحب أن أقول لكم: إننا في إسرائيل نرفض أن نقول: إن اليهودية مجرد دين فقط , بل إننا نؤكد أن اليهودية هي دين, وشعب, ووطن" ثم رد أستاذ آخر بمثل ما قال الأول.
وإن كان تجنب هذه الجوانب عمدا أو من غير قصد فالنتيجة واحدة وهي أن اختزال الكلام في الجانب السياسي الآني يعمينا عن أهدافهم الحقيقية وتاريخ قتلهم وظلمهم لنا ومخططاتهم المستقبلية, وهذا بالضبط ما يسعون لتحقيقه.