فهم لا يفتؤون يطمئنوننا أن جيش الدفاع الإسرائيلي, كما يسمونه زورا وبهتانا, يتعامل بأعلى درجات أخلاقيات الحرب, وكأننا ولدنا من قريب أو نسينا مجازرهم السابقة التي لا يزال الجرح منها يثغب دما في قلوبنا. وحتى لا ننجر كعادتنا وراء السراب الإعلامي والخطاب الصهيوني المتكرر يجب ألا ننسى أن حقدهم الدفين نابع من تعاليمهم العنصرية المحرضة على كراهية كل ما ليس يهودي. هجومهم الوحشي على غزة هو في واقع الحال هجوم على كل مسلم موحد ودينه وقرآنه وجهاده واستخفاف بالدم العربي المسلم وإلا فكيف يستحلون هذا القتل الجماعي الإرهابي غير آبهين لا بالأرواح المهدرة ولا بالمجتمع الدولي ولا قرارات الشرعية الدولية. كل هذا ليس إلا مصداق ما قاله من لا ينطق عن الهوى, نبينا محمد عليه الصلاة والسلام في طرف من حديثه: ( .. ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن ... ) وهذا عندما خلدنا إلى الدنيا وكرهنا الجهاد وتركنا منهج ربنا العليم الخبير. وربما ازدادوا جرأة في إرهابهم الأخير هذا بعد أن أخذت وزيرة الخارجية ليفني الموافقة الضمنية بعد زيارتها لمصر.
أعداء الدين كثيرا ما يلجؤون إلى إخفاء حقدهم وكراهيتهم لنا بتطييب الكلام كما وصفهم من هو عليم بذات الصدور: { ... يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم فاسقون}. لكن بعض أعداء الإنسانية تجاوزوا بوقاحتهم حتى ذلك فأعلنوها بملء أفواههم. فهذا رافائيل إيتان قائد الأركان السابق في إسرائيل الذي قال قديما: "بعد أن نستقر في هذه الأرض (فلسطين) , كل ما يستطيع العرب فعله هو العدو مثل الصراصير المخدرة في الزجاجة." طبعا هذا الكلام يترفع عنه من له أدنى ذوق إنساني فضلا عن الذوق الأدبي, لكن الناظر لما يحدث في غزة المحاصرة اليوم والصهاينة وأولياؤهم متفرجون مصفقون يرى كيف طبق هذا الأمر بحذافيره, كمن حبس صراصير في زجاجة ثم رشهم بمبيد الحشرات. وشمعون بيريزالذي صافحه شيخ الأزهر من قريب قال بصريح العبارة: "إنه لا يمكن أن يتحقق السلام في المنطقة ما دام الإسلام شاهرا سيفه ولن نطمئن على مستقبلنا حتى يغمد الإسلام سيفه إلى الأبد." وهذا طبعا غيض من فيض. إذن استهدافهم لحماس هو لعقر المشروع الإسلامي الذي يوقنون بأنه وحده الذي سيقلب موازين القوى ليرد الحق إلى أصحابه. أما غير ذلك من رايات وشعارات وإن كانت مقاومة غير مستسلمة فلا تخيف اليهود ولا يحسبون لها حسابا.
حان الأوان أن نعود لكتاب ربنا الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه لصقل أفكارنا وتصويب آرائنا في طريقة تعاملنا مع اليهود. فمن يقرأ قوله تعالى مخاطبا رسوله (صلى الله عليه وسلم) عن اليهود: { ... يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلا منهم ... } لا يطمئن لهم أبدا ولا يعول على كلامهم فإن عبارة "ولا تزال" تفيد الاستمرار, وبهذا يوقن المسلم أنهم أهل خيانة وغدر وكذب أبد الآبدين إلا قليلا منهم, مما يمنعه من الركون إليهم والهرع لعقد الإتفاقيات الجوفاء معهم.
ما أشبه اليوم بالبارحة عندما حوصر العراق وجوع اثني عشر عاما حتى خارت قواه قبل أن تدك قوات الغزو ذاك البلد المنهك بالصواريخ والنار لتدمره بالكامل. كأن حصار القطاع الظالم المستمر لعدة أشهر لم يكن كافيا, جاء هذا الإرهاب اليهودي ليقتل ما تبقى من حياة أو رمق في جسم غزة الهزيل.
عذرا أهل غزة فيبدو أن الله عز وجل كتب لكم أن يكون إحياء ضمير الأمة الإسلامية والعالم أجمع على أشلاء أجسادكم الطاهرة ودمائكم الزكية وخراب حياتكم وأنقاض بيوتكم.
صبرا أهل غزة فأنتم من يحمي شرف الأمة ومقدساتها ودماؤكم لن تذهب هدرا بل ستسير في حبل وريد الأمة لتحيي مواتها بإذن الله, إذا عرفنا استغلال هذا الحدث الجلل في تجديد روح الأخوة في الله والجهاد والمقاومة في الأمة.
ترى هل تكون هذه صيحة النفير التي تستيقظ بها الأمة من رقادها لتعود للإسلام عقيدة وشريعة وحكما وسلوكا؟ هل تكون هذه العبرة للمسلمين أن النصر لا يكون إلا من عند الله وأن الولاء واجب للمؤمنين والعداء للكافرين وأن جهاد الكفار والمنافقين وما أكثرهم والغلظة عليهم هو سبيل النجاة الوحيد؟
أم هل تسطر هذه المجزرة مع سابقاتها في كتب التاريخ وذاكرة الأمة لتقرأ عنها الأجيال القادمة وتتأوه وتحوقل كما جرت العادة, منتظرة الحرب الجديدة والذبح القادم ليضاف إلى جانب مجزرة غزة المحاصرة في آخر عام ٢٠٠٨؟