للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رابعاً: القنوت مشروع عند وجود سببه (وهو النازلة بالمسلمين) فإذا زال السبب ترك القنوت. أما قنوت النبي صلى الله عليه وسلم شهراً فليس مقصوداً منه التحديد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك القنوت لما زال سببه بقدوم من قنت لهم، كما يدل على ذلك حديث أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَنَتَ بَعْدَ الرَّكْعَةِ فِي صَلَاةٍ شَهْرًا إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ يَقُولُ فِي قُنُوتِهِ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ نَجِّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ (١) اللَّهُمَّ نَجِّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ثُمَّ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ الدُّعَاءَ بَعْدُ فَقُلْتُ أُرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَرَكَ الدُّعَاءَ لَهُمْ قَالَ فَقِيلَ وَمَا تُرَاهُمْ قَدْ قَدِمُوا (٢)). أخرجه مسلم.

قال ابن القيم: " إنما قنت عند النوازل للدعاء لقوم، وللدعاء على آخرين، ثم تركه لما قدم من دعا لهم، وتخلصوا من الأسر، وأسلم من دعا عليهم وجاؤوا تائبين، فكان قنوته لعارض، فلما زال ترك القنوت ". (زاد المعاد ١/ ٢٧٢).

خامساً: قنوت النوازل ليس له صيغة معينة، وإنما يدعو في كل نازلة بما يناسب تلك النازلة.

أما الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن: " اللهم اهدنا فيمن هديت .. الخ " فإنما هو في قنوت الوتر، ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت النوازل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فالسنة أن يقنت عند النازلة ويدعو فيها بما يناسب القوم المحاربين ". (مجموع الفتاوى ٢١/ ١٥٥).

وقال أيضاً: " وينبغي للقانت أن يدعو عند كل نازلة بالدعاء المناسب لتلك النازلة. وإذا سمى من يدعو لهم من المؤمنين ومن يدعو عليهم من الكافرين المحاربين كان ذلك حسناً ". (مجموع الفتاوى ٢٢/ ٢٧١).

وقال أيضاً: " عمر رضي الله عنه قنت لما نزل بالمسلمين من النازلة، ودعا في قنوته دعاءً يناسب تلك النازلة، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قنت أولاً على قبائل بني سليم الذين قتلوا القراء، دعا عليهم بالذي يناسب مقصوده، ثم لما قنت يدعو للمستضعفين من أصحابه صلى الله عليه وسلم دعا بدعاء يناسب مقصوده. فسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين تدل على شيئين:


(١) (عياش والوليد وسلمة رضي الله عنه) حبسهم المشركون في مكة لما أسلموا ومنعوهم من الهجرة، وقد تواعدوا جميعاً للهروب من المشركين فدعا لهم النبي صلى الله عليه وسلم. والمراد (بالمستضعفين من المؤمنين) هم ضعفاء المؤمنين الذين حبسهم الكفار عن الهجرة، وآذوهم وعذبوهم. وقوله: (اللهم اشدد وطأتك على مضر) أصل الوطأة الدوس بالقدم، ومن وطأ الشيء برجله بشدة فقد استقصى في إهلاكه وإهانته، فيكون المعنى: اجعل بأسك وعذابك الشديد عليهم. وقوله: (اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف) هي المشار إليها في قوله تعالى من سورة يوسف: " ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد " فكانت عليهم سبعة أعوام عمهم فيها القحط ونقص الطعام، فيكون المعنى هنا: هو الدعاء عليه بالقحط العظيم. (انظر في هذه المعاني: المنهل العذب المورود ٨/ ٨٢).
(٢) " أي أتسأل عن ذلك وما تعلم أن الوليد ومن معه قد قدموا إلى المدينة ونجاهم الله تعالى من عدوهم " (المنهل العذب المورود ٨/ ٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>