للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن جهة أخرى فالواقع الواضح عند أهل الكتاب هو الوقوع في الشرك من جهة التوحيد, والكفر من جهة إنكار الرسالة, يقول الدكتور سلمان العودة في قواعد الحوار مع أهل الكتاب: "اعتبار القدر المشترك في الديانة السماوية المتمثل في صحة النبوة والوحي ولزوم الاتباع للأنبياء، وتحصيل لوازم هذا القدر المشترك، وهذا هو المذكور في قول الله سبحانه وتعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شيئاً}، وهذه قاعدة عقلية فاصلة في مقام جمع المختلف أو رد الاثنين إلى الواحد، فيعتبر المختلف بالمؤتلف، والثنائية بالأحادية، وهذا معتبر أيضاً بكتاب الرسول صلى الله عليه وسلم إلى هرقل كما في الصحيحين، ويتبع هذا تصحيح المفاهيم المنحرفة، وردها إلى الصدق الذي جاءت به النبوة الخاتمة" (١).

وهذا القول على أهميته في مجادلة أهل الكتاب والحوار معهم إلا أنه ليس هو معنى آية آل عمران المتقدمة فيما يظهر لي, فهي صريحة في الدعوة والحوار المباشر حول التوحيد وترك الشرك كما تقدم.

وقد أوّل بعض الكتاب (الكلمة السواء) في الآية إلى أنها: "فعل الصالحات النافعات للبشرية, ومواجهة الطغيان, وتحقيق معرفة كل طرف بالآخر, وإزالة الفهم دون المحاولة إلى إلغاء الخصوصيات" (٢) , وهذا تأويل بعيد عن معنى الآية ودلالتها، فالمتأمل في الآية يدرك أن كلمة السواء مفسرة, وليست مطلقة بحيث يتصور القارئ ما شاء في تحديدها, وهناك فرق كبير بين فهم الآية على أنها دعوة لأهل الكتاب إلى التوحيد ومناقشتهم للوصول إلى غاية عظيمة وهي التوحيد وترك الشرك، وبين فهمها على أنها قدر مشترك ينطلق منه لتصحيح ما عندهم من الباطل, أو أنها في الحث على التعاون المشترك للوصول لما فيه الخير للإنسانية، ومما يؤكد تفسير هذه الآية السلوك العملي للنبي حيث كان حواره لهم بهدف دعوتهم للتوحيد وهدايتهم إليه.

قواعد مختصرة في الحوار مع أهل الكتاب:

هناك جملة من القواعد التي ينبغي الاهتمام بها أثناء الحوار مع أهل الكتاب، يمكن أن نشير إلى نبذ يسيرة منها وهي بحاجة ماسة للبحث والمراجعة، خاصة ونحن نعيش في زمن الاحتكاك المباشر مع أهل الكتاب في مجال الصراع الفكري, أو الصراع المسلح المادي، لا سيما في هذا العصر على الخصوص الذي أصبح التواصل فيه بين أقاصي الدنيا وأدناها من أسهل الأمور في كل المجالات, وإذا لم نرسم - نحن دعاة أهل السنة - منهجية صحيحة في الحوار المفروض علينا معهم, فإن غيرنا من أصحاب الفكر المنحرف - الذي يحرف النصوص - سيأخذ قصب السبق في هذا المجال, وسيقّعد للأجيال القادمة قواعد فاسدة في التعامل مع أهل الكتاب في مجال الحوار, أو غيره من المجالات، ومن هذه القواعد التي ينبغي أخذها في الاعتبار:

١ - تحديد الهدف من الحوار معهم: وتنقيحه من شوائب الانهزامية, والتخاذل والغموض في محاورة أهل الكتاب، والهدف الرباني في الحوار هو دعوتهم إلى الله تعالى, وتمني هدايتهم للإسلام والحرص على تصوير الإسلام لهم كما أمر الله به, وتوضيح نقائه وصفائه لهم من غير محاولة لتشبيهه بالمناهج الأرضية المنحرفة, فهو أسمى وأعظم وأجل من كل المناهج الأرضية.


(١) مقال: قواعد الحوار مع أهل الكتاب - د/سلمان العودة - موقع الإسلام اليوم.
(٢) انظر: الحوار الإسلامي المسيحي- د. يوسف الحسن- ص: ٤٣ - ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>